البحر المحيط، ج ٣، ص : ٧٣٣
البعير، وهو كساء يدار على سنامه ليركب عليه، وسمي كفلا لأنه لم يعم الظهر، بل نصيبا منه.
وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً أي : مقتدرا قاله السدّي وابن زيد والكسائي. وقال ابن عباس ومجاهد : حفيظا وشهيدا. وقال عبد اللّه بن كثير : واصبا قيما بالأمور. وقيل :
المحيط. وقيل : الحسيب. وقيل : المجازى. وقيل : المواظب للشيء الدائم عليه. قال ابن كثير : وهو قول ابن عباس أيضا. وهذه أقوال متقاربة لاستلزام بعضها معنى بعض.
وقال الطبري في قوله : إني على الحساب مقيت، إنه من غير هذه المعاني المتقدّمة، وإنه بمعنى موقوت. وهذا يضعفه أن يكون بناء اسم الفاعل بمعنى بناء اسم المفعول. وقال غيره : معناه مقتدر.
وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها الظاهر أن التحية هنا السلام، وأنّ المسلم عليه مخير بين أن يرد أحسن منها، أو أن يردها يعني مثلها. فأوهنا للتخيير. وقال ابن عباس، والحسن، وقتادة، وابن زيد : بأحسن منها إذا كان مسلما، أو ردوها إذا كان يسلم عليك كافر فاردد، وإن كان مجوسيا فتكون أو هنا للتنويع. والذي يظهر أنّ الكافر لا يرد عليه مثل تحيته، لأن المشروع في الرد عليهم أن يقال لهم : وعليكم، ولا يزادوا على ذلك، فيكون قوله : وإذا حييتم معناه : وإذا حياكم المسلمون، وإلى هذا ذهب.
عطاء. وعن الحسن : ويجوز أن يقال للكافر : وعليك السلام، ولا يقل : ورحمة اللّه، فإنها استغفار. وعن الشعبي أنه قال لنصراني سلم عليه : وعليك السلام ورحمة اللّه فقيل له، فقال : أليس في رحمة اللّه يعيش؟ وكأن من قال بهذا أخذ بعموم وإذا حييتم، لكن ذلك مخالف للنص النبوي من
قوله :«فقولوا وعليكم»
وكيفية رد الأحسن أنه إذا قال : سلام عليك، فيقول : عليك السلام ورحمة اللّه. فإذا قال : سلام عليك ورحمة اللّه قال : عليك السلام ورحمة اللّه وبركاته. فإذا قال المسلم هذا بكماله رد عليه مثله. وروي عن عمر، وابن عباس، وغيرهما : أن غاية السلام إلى البركة.
وفي الآية دليل على أنّ الرد واجب لأجل الأمر، ولا يدل على وجوب البداءة، بل هي سنة مؤكدة، هذا مذهب أكثر العلماء. والجمهور على أن لا يبدأ أهل الكتاب بالسلام، وشذ قوم فأباحوا ذلك. وقد طول الزمخشري وغيره بذكر فروع كثيرة في السلام، وموضوعها علم الفقه. وذهب مجاهد : إلى تخصيص هذه التحية بالجهاد، فقال : إذا حييتم في سفركم بتحية الإسلام وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً «١» فإن أحكام الإسلام تجري عليهم. وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك : أن هذه الآية في

_
(١) سورة النساء : ٤/ ٩٤.


الصفحة التالية
Icon