البحر المحيط، ج ٣، ص : ٧٨
ولأنه بإزاء من للمؤمنين من الشفعاء الذين هم الملائكة والأنبياء وصالحو المؤمنين، أي :
ليس لهم كأمثال هؤلاء، والمعنى : بانتفاء الناصرين انتفاء ما يترتب على النصر من المنافع والفوائد، وإذا انتفت من جمع فانتفاؤها من واحد أولى، وإذا كان جمع لا ينصر فأحرى أن لا ينصر واحد، ولما تقدم ذكر معصيتهم بثلاثة أوصاف ناسب أن يكون جزاؤهم بثلاثة، ليقابل كل وصف بمناسبه، ولما كان الكفر بآيات اللّه أعظم، كان التبشير بالعذاب الأليم أعظم، وقابل قتل الأنبياء بحبوط العمل في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا بالقتل والسبي وأخذ المال والاسترقاق، وفي الآخرة بالعقاب الدائم، وقابل قتل الآمرين بالقسط، بانتفاء الناصرين عنهم إذا حل بهم العذاب، كما لم يكن للآمرين بالقسط من ينصرهم حين حل بهم قتل المعتدين، كذلك المعتدون لا ناصر لهم إذا حل بهم العذاب.
وفي قوله : أولئك، إشارة إلى من تقدم موصوفا بتلك الأوصاف الذميمة، وأخبر عنه :
بالذين، إذ هو أبلغ من الخبر بالفعل، ولأن فيه نوع انحصار، ولأن جعل الفعل صلة يدل على كونها معلومة للسامع، معهودة عنده، فإذا أخبرت بالموصول عن اسم استفاد المخاطب أن ذلك الفعل المعهود المعلوم عنده المعهود هو منسوب للمخبر عنه بالموصول، بخلاف الإخبار بالفعل، فإنك تخبر المخاطب بصدوده عن من أخبرت به عنه، ولا يكون ذلك الفعل معلوما عنده، فإن كان معلوما عنده جعلته صلة، وأخبرت بالموصول عن الاسم.
قيل وجمعت هذه الآيات ضروبا من الفصاحة والبلاغة. أحدها : التقديم والتأخير في : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ قال ابن عباس التقدير : شهد اللّه أن الدين عند اللّه الإسلام، أنه لا إله إلا هو، ولذلك قرأ إنه، بالكسر : وأن الدين، بالفتح.
وأطلق اسم السبب على المسبب في قوله مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ عبر بالعلم عن التوراة والإنجيل أو النبي صلى اللّه عليه وسلم، على الخلاف الذي سبق.
وإسناد الفعل إلى غير فاعله في : حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وأصحاب النار.
والإيماء في قوله : بَغْياً بَيْنَهُمْ فيه إيماء إلى أن النفي دائر شائع فيهم، وكل فرقة منهم تجاذب طرفا منه.
والتعبير ببعض عن كل في : أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ.
والاستفهام الذي يراد به التقرير أو التوبيخ والتقريع في قوله أَأَسْلَمْتُمْ.


الصفحة التالية
Icon