البحر المحيط، ج ٤، ص : ١٢٥
التقدير : فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات اللّه، وكذا طبع على قلوبهم. وقيل : التقدير فبما نقضهم ميثاقهم لا يؤمنون إلا قليلا، والفاء مقحمة. وما في قوله : فبما نقضهم كهي في قوله : فَبِما رَحْمَةٍ «١» وتقدّم الكلام فيها. والبهتان العظيم رميهم مريم عليها السّلام بالزنا مع رؤيتهم الآية في كلام عيسى عليه السّلام في المهد. قال ابن عطية : وإلا فلولا الآية لكانوا في قولهم جارين على حكم البشر في إنكار حمل من غير ذكر انتهى. ووصف بالعظم لأنهم تمادوا عليه بعد ظهور الآية وقيام المعجزة بالبراءة، وقد جاءت تسمية الرمي بذلك بهتانا عظيما في قوله : سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ «٢».
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ الظاهر أن رسول اللّه من قولهم قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء، كقول فرعون أن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون وقوله : إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ «٣» ويجوز أن يكون من كلام اللّه تعالى وضع الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنه رفعا لعيسى عليه السّلام، كما كانوا يذكرونه به. ذكر الوجهين الزمخشري، ولم يذكر ابن عطية سوى الثاني قال : هو إخبار من اللّه تعالى بصفة عيسى عليه السّلام، وهي الرسالة على جهة إظهار ذنب هؤلاء المقرين بالقتل ولزمهم الذنب، وهم لم يقتلوا عيسى، لأنهم صلبوا ذلك الشخص على أنه عيسى، وعلى أن عيسى كذاب ليس برسول. ولكن لزمهم الذنب من حيث اعتقدوا أنّ قتلهم وقع في عيسى، فكأنهم قتلوه، وليس يدفع الذنب عنهم اعتقادهم أنه غير رسول.
وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ هذا إخبار منه تعالى بأنهم ما قتلوا عيسى وما صلبوه.
واختلف الرواة في كيفية القتل والصلب، ولم يثبت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ذلك شيء غير ما دل عليه القرآن.
ومنتهى ما آل إليه أمر عيسى عليه السّلام أنه طلبته اليهود فاختفى هو والحواريون في بيت، فدلوا عليه وحضروا ليلا وهم ثلاثة عشر، أو ثمانية عشر، ففرقهم تلك الليلة ووجههم إلى الآفاق، وبقي هو ورجل معه، فرفع عيسى، وألقى شبهه على الرجل فصلب. وقيل :
هو اليهودي الذي دل عليه. وقيل : قال لأصحابه : أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل ويخلص
(٢) سورة النور : ٢٤/ ١٦.
(٣) سورة هود : ١١/ ٨٧. [.....]