البحر المحيط، ج ٤، ص : ١٣٠
روي أنه ينزل من السماء في آخر الزمان، فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به، حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام قاله : ابن عباس، والحسن، وأبو مالك.
وقال ابن عباس أيضا وعكرمة، والضحاك، والحسن، أيضا ومجاهد، وغيرهم : الضمير في به لعيسى، وفي موته لكتابي وقالوا : وليس يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى ويعلم أنه نبي، ولكن عند المعاينة للموت فهو إيمان لا ينفعه كما لم ينفع فرعون إيمانه وقت المعاينة. وبدأ بما يشبه هذا لقول الزمخشري. قال : والمعنى ما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى، وبأنه عبد اللّه ورسوله؟ يعني : إذا عاين قبل أن تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه لانقطاع وقت التكليف. ثم حكى عن شهر بن حوشب والحجاج حكاية فيها طول يمس بالتفسير منها : إن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة دبره ووجهه وقالوا : يا عدوّ اللّه أتاك عيسى نبيا فكذبت به، فيقول : آمنت أنه نبي. وتقول للنصراني :
أتاك عيسى نبيا فزعمت أنه اللّه أو ابن اللّه، فيقول : آمنت أنه عبد اللّه ورسوله حيث لا ينفعه إيمانه. وعن ابن عباس أنه فسره كذلك فقال له عكرمة : فإن أتاه رجل فضرب عنقه؟ قال :
لا تخرج نفسه حتى يحرك بها شفتيه. قال : وإن خرجت فوق بيت، أو احترق، أو أكله سبع؟ قال : يتكلم بها في الهوى، ولا تخرج روحه حتى يؤمن به. ويدل عليه قراءة أبيّ :
إلا ليؤمنن به قبل موتهم، بضم النون على معنى : وإن منهم أحد إلا سيؤمنون به قبل موتهم، لأن أحدا يصلح للجمع. (فإن قلت) : فما فائدة الإخبار بإيمانهم بعيسى قبل موتهم؟ (قلت) : فائدته الوعيد، وليكن علمهم بأنهم لا بد لهم من الإيمان به عن قريب عند المعاينة، وأن ذلك لا ينفعهم بعثا لهم وتنبيها على معالجة الإيمان به في أوان الانتفاع به، وليكون إلزاما للحجة لهم. وكذلك قوله.
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً يشهد على اليهود بأنهم كذبوه، وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن اللّه انتهى كلامه. وقال أيضا : ويجوز أن يريد أنه لا يبقى أحد من جميع أهل الكتاب إلا ليؤمنن به، على أنّ اللّه يحييهم في قبورهم في ذلك الزمان ويعلمهم نزوله وما نزل له، ويؤمنون به حين لا ينفعهم إيمانهم انتهى. وقال عكرمة : الضمير في به لمحمد عليه الصلاة والسّلام، وفي موته للكتابي. قال : وليس يخرج يهودي ولا نصراني من الدنيا حتى يؤمن بمحمد، ولو غرق أو سقط عليه جدار فإنه يؤمن في ذلك الوقت. وقيل : يعود في به على اللّه، وفي موته على أحد المقدّر. قال ابن زيد : إذا نزل عيسى عليه السّلام لقتل الدجال، لم يبق يهودي ولا نصراني إلا آمن باللّه حين يرون قتل الدجال، وتصير الأمم كلها