البحر المحيط، ج ٤، ص : ٢٤
وهذا الاستثناء قيل : منقطع، وقيل : إنه متصل. قال الزمخشري :(فإن قلت) : بم تعلق أن يصدقوا؟ وما محله؟ (قلت) : تعلق بعليه، أو بمسلمة. كأن قيل : وتجب عليه الدية أو يسلمها، إلا حين يتصدقون عليه، ومحلها النصب على الظرف بتقدير حذف الزمان كقولهم : اجلس ما دام زيد جالسا، ويجوز أن يكون حالا من أهله بمعنى : إلا متصدقين انتهى كلامه. وكلا التخريجين خطأ. أما جعل أن وما بعدها ظرفا فلا يجوز، نص النحويون على ذلك، وأنه مما انفردت به ما المصدرية ومنعوا أن تقول : أجيئك أن يصيح الديك، يريد وقت صياح الديك. وأما أن ينسبك منها مصدر فيكون في موضع الحال، فنصوا أيضا على أن ذلك لا يجوز. قال سيبويه في قول العرب : أنت الرجل أن تنازل أو أن تخاصم، في معنى أنت الرجل نزالا وخصومة، أنّ انتصاب هذا انتصاب المفعول من أجله، لأن المستقبل لا يكون حالا، فعلى هذا الذي قررناه يكون كونه استثناء منقطعا هو الصواب. وقرأ الجمهور يصدقوا، وأصله يتصدقوا، فأدغمت التاء في الصاد. وقرأ الحسن وأبو عبد الرحمن، وعبد الوارث عن أبي عمرو : تصدقوا بالتاء على المخاطبة للحاضرة.
وقرئ : تصدقوا بالتاء وتخفيف الصاد، وأصله تتصدقوا، فحذف إحدى التاءين على الخلاف في أيهما هي المحذوفة. وفي حرف أبيّ وعبد اللّه : يتصدقوا بالياء والتاء.
فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ قال ابن عباس وقتادة والنخعي والسدي وعكرمة وغيرهم : المعنى إن كان هذا المقتول خطأ رجلا مؤمنا قد آمن وبقي في قومه وهم كفرة عدوّ لكم فلا دية فيه، وإنما كفارته تحرير رقبة. والسبب عندهم في نزولها : أنّ جيوش المسلمين كانت تمر بقبائل الكفرة، فربما قتل من آمن ولم يهاجر، أو من هاجر ثم رجع إلى قومه، فيقتل في حملات الحرب على أنه من الكفار، فنزلت الآية. وسقطت الدية عند هؤلاء، لأن أولياء المقتول كفرة، فلا يعطون ما يتقّوون به. ولأنّ حرمته إذا آمن ولم يهاجر قليلة فلا دية. وإذا قتل مؤمنا في بلاد المسلمين وقومه حرب، ففيه الدية لبيت المال والكفارة. وقالت فرقة : الوجه في سقوط الدية أنّ أولياءه كفار، سواء أكان القتل خطأ بين أظهر المسلمين وبين قومه ولم يهاجر، ولو هاجر ثم رجع إلى قومه، وكفارته ليس إلا التحرير، لأنه إن قتل بين أظهر قومه فهو مسلط على نفسه، أو بين أظهر المسلمين فأهله لا يستحقون الدية، ولا المسلمون لأنهم ليسوا أهله، فلا تجب على الحالين، هذا قول : مالك، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأبي ثور. وقال ابراهيم :


الصفحة التالية