البحر المحيط، ج ٤، ص : ٥٨٧
اللّه لهم وهذا مبني على أن اللّه تعالى يكلم الكفار، وهو ظاهر من قوله : فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ «١» ومن قوله : لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ «٢» وجِئْتُمُونا من الماضي الذي أريد به المستقبل، وقيل : هو ماض على حقيقته محكي فيقال لهم حالة الوقوف بين يدي اللّه للجزاء والحساب، قال ابن عباس : فُرادى من الأهل والمال والولد، وقال الحسن : كل واحد على حدته بلا أعوان ولا شفعاء، وقال مقاتل : ليس معكم شيء من الدنيا تفتخرون به، وقال الزّجاج : كل واحد مفرد عن شريكه وشفيعه، وقال ابن كيسان : فُرادى من المعبود، وقيل : أعدناكم بلا معين ولا ناصر وهذه الأقوال متقاربة لما كانوا في الدنيا جهدوا في تحصيل الجاه والمال والشفعاء جاؤوا في الآخرة منفردين عن كل ما حصلوه في الدنيا، وقرئ فراد غير مصروف، وقرأ عيسى بن عمر وأبو حيوة فرادا بالتنوين وأبو عمرو ونافع في حكاية خارجة عنهما فردى مثل سكرى كقوله : وَتَرَى النَّاسَ سُكارى
«٣» وأنث على معنى الجماعة والكاف في كما في موضع نصب، قيل : بدل من فرادى، وقيل : نعت لمصدر محذوف أي مجيئا كَما خَلَقْناكُمْ يريد كمجيئكم يوم خلقناكم وهو شبيه بالانفراد الأول وقت الخلقة فهو تقييد لحالة الانفراد تشبيه بحالة الخلق لأن الإنسان يخلق أقشر لا مال له ولا ولد ولا حشم، وقيل : عراة غرلا ومن قال : على الهيئة التي ولدتم عليها في الانفراد يشمل هذين القولين وانتصب أول مرة على الظرف أي أول زمان ولا يتقدر أول خلق اللّه لأن أول خلق يستدعي خلقا ثانيا ولا يخلق ثانيا إنما ذلك إعادة لا خلق.
وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ أي ما تفضلنا به عليكم في الدنيا لم ينفعكم ولم تحتملوا منه نقيرا ولا قدمتموه لأنفسكم وأشار بقوله : وَراءَ ظُهُورِكُمْ إلى الدنيا لأنهم يتركون ما خولوه موجودا.
وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ وقفهم على الخطأ في عبادتهم الأصنام وتعظيمها وقال مقاتل : كانوا يعتقدون شفاعة الملائكة ويقولون : ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى «٤»، وفِيكُمْ متعلق بشركاء والمعنى في استعبادكم لأنهم حين دعوهم آلهة وعبدوها فقد جعلوا للّه شركاء فيهم وفي استعبادهم، وقيل : جعلوهم شركاء للّه باعتبار أنهم يشفعون فيهم عنده فهم شركاء بهذا الاعتبار ويمكن أن يكون المعنى

(١) سورة الأعراف : ٧/ ٦.
(٢) سورة الحجر : ١٥/ ٩٢.
(٣) سورة الحج : ٢٢/ ٢.
(٤) سورة الزمر : ٣٩/ ٣.


الصفحة التالية
Icon