البحر المحيط، ج ٥، ص : ٣٤٥
جهة التفسير لا على جهة القراءة وهو الذي ينبغي لأنه مخالف لسواد المصحف، وقرأ السلمي عدوّا للّه بالتنوين ولام الجر، قال صاحب اللوامح : فقيل أراد به اسم الجنس ومعناه أعداء اللّه وإنما جعله نكرة بمعنى العامّة لأنها نكرة أيضا لم تتعرف بالإضافة إلى المعرفة لأنه اسم الفاعل ومعناه الحال والاستقبال ولا يتعرف ذلك وإن أضيف إلى المعارف وأما عَدُوَّكُمْ فيجوز أن يكون كذلك نكرة ويجوز أن يكون قد تعرّف لإعادة ذكره ومثله رأيت صاحبا لكم فقال لي صاحبكم واللّه أعلم انتهى.
وذكر أولا عَدُوَّ اللَّهِ تعظيما لما هم عليه من الكفر وتقوية لذمّهم وأنه يجب لأجل عداوتهم للّه أن يقاتلوا ويبغضوا ثم قال وَعَدُوَّكُمْ على سبيل التحريض على قتالهم إذ في الطبع أن يعادي الإنسان من عاداه وأن يبغي له الغوائل والمراد بهاتين الصفتين من قرب من الكفار من ديار الإسلام من أهل مكة ومشركي العرب، قيل ويجوز أن يراد جميع الكفار وآخرين من دونهم أصل دون أن تكون ظرف مكان حقيقة أو مجاز.
قال ابن عطية : مِنْ دُونِهِمْ بمنزلة قولك دون أن تكون هؤلاء فدون في كلام العرب ومن دون تقتضي عدم المذكور بعدها من النازلة التي فيها القول ومنه المثل : وأمر دون عبيدة الوزم، قال مجاهد وآخرين : بنو قريظة، وقال مقاتل : اليهود، وقال السدّي : أهل فارس، وقالت فرقة : كفار الجن ورجّحه الطبري واستند في ذلك إلى ما روي من أنّ صهيل الخيل تنفر الجنّ منه وأنّ الشياطين لا تدخل دارا فيها فرس الجهاد ونحو هذا، وقالت فرقة : هم كل عدوّ للمسلمين غير الفرقة التي أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يشرّد بهم من خلفهم، وقال ابن زيد : هم المنافقون وهذا أظهر لأنه قال لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ أي لا تعلمون أعيانهم وأشخاصهم إذ هم متسترون عن أن تعلموهم بالإسلام فالعلم هنا كالمعرفة تعدى إلى واحد وهو متعلّق بالذوات وليس متعلقا بالنسبة ومن جعله متعلقا بالنسبة فقدّر مفعولا ثانيا محذوفا وقدره محاربين فقد أبعد لأنّ حذف مثل هذا دون تقدّم ذكر ممنوع عند بعض النحويين وعزيز جدا عند بعضهم فلا يحمل القرآن عليه مع إمكان حمل اللفظ على غيره وتمكنه من المعنى وقدّره بعضهم لا تعلمونهم فارغين راهبين اللّه يعلّمهم بتلك الحالة والظاهر أن يكون إشارة إلى المنافقين كما قلنا على جهة الطّعن عليهم والتنبيه على سوء حالهم وليستريب بنفسه كلّ من يعلم منها نفاقا إذا سمع الآية وبفزعهم ورهبتهم غنى كبير في ظهور الإسلام وعلوّه، وقال القرطبي ما معناه لا ينبغي أن يعين قوله وَآخَرِينَ لأنه تعالى قال لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ فكيف يدّعي أحد علما بهم إلا أن يصحّ حديث فيه عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم انتهى، ثم