البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٣٧
ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ونبه على عذاب الآخرة بعلته وهو زهوق أنفسهم على الكفر، لأنّ من مات كافرا عذب في الآخرة لا محالة. والظاهر أن زهوق النفس هنا كناية عن الموت. قال ابن عطية : ويحتمل أن يريد وتزهق أنفسهم من شدة التعذيب الذي ينالهم.
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ : أي لمن جملة المسلمين. وأكذبهم اللّه بقوله : وما هم منكم. ومعنى يفرقون : يخافون القتل. وما يفعل بالمشركين فيتظاهرون بالإسلام تقية، وهم يبطنون النفاق، أو يخافون اطلاع اللّه المؤمنين على باطنهم فيحل بهم ما يحل بالكفار. ولما حقر تعالى شأن المنافقين وأموالهم وأولادهم عاد إلى ذكر مصالحهم وما هم عليه من خبث السريرة فقال : ويحلفون باللّه على الجملة لا على التعيين، وهي عادة اللّه في ستر أشخاص العصاة.
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ : لما ذكر فرق المنافقين من المؤمنين أخبر بما هم عليه معهم مما يوجبه الفرق وهو أنهم لو أمكنهم الهروب منهم لهربوا، ولكن صحبتهم لهم صحبة اضطرار لا اختيار. قال ابن عباس :
الملجأ الحرز. وقال قتادة : الحصن. وقال السدي : المهرب. وقال الأصمعي : المكان الذي يتحصن فيه. وقال ابن كيسان : القوم يأمنون منهم. والمغارات جمع مغارة وهي الغار، ويجمع على غيران بني من غار يغور إذا دخل مفعلة للمكان كقولهم : مزرعة.
وقيل : المغارة السرب تحت الأرض كنفق اليربوع.
وقرأ سعد بن عبد الرحمن بن عوف : مغارات بضم الميم، فيكون من أغار. قيل :
وتقول العرب : غار الرجل وأغار بمعنى دخل، فعلى هذا يكون مغارات من أغار اللازم.
ويجوز أن يكون من أغار المنقول بالهمزة من غار، أي أماكن في الجبال يغيرون فيها أنفسهم. وقال الزجاج : ويصح أن يكون من قولهم : جبل مغار أي مفتول. ثم يستعار ذلك في الأمر المحكم المبرم، فيجيء التأويل على هذا لو يجدون نصرة أو أمورا مرتبطة مشدّدة تعصمهم منكم أو مدّخلا لولوا إليه. وقال الزمخشري ويجوز أن يكون من أغار الثعلب إذا أسرع، بمعنى مهارب ومغارّ انتهى. والمدّخل قال مجاهد : المعقل يمنعهم من المؤمنين.
وقال قتادة : السرب يسيرون فيه على خفاء. وقال الكلبي : نفقا كنفق اليربوع. وقال الحسن : وجها يدخلون فيه على خلاف الرسول. وقيل : قبيلة يدخلون فيها تحميهم من


الصفحة التالية
Icon