البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٤٥
وفي سبيل اللّه هو المجاهد يعطى منها إذا كان فقيرا. والجمهور على أنه يعطى منها وإن كان غنيا ما ينفق في غزوته. وقال الشافعي، وأحمد، وعيسى بن دينار، وجماعة :
لا يعطى الغني إلا إن احتاج في غزوته، وغاب عنه وفره. وقال أبو حنيفة وصاحباه :
لا يعطى إلا إذا كان فقيرا أو منقطعا به، وإذا أعطي ملك، وإن لم يصرفه في غزوته. وقال ابن عبد الحكم : ويجعل من الصدقة في الكراع والسلاح وما يحتاج إليه من آلات الحرب وكف العدو عن الحوزة، لأنه كله من سبيل الغزو ومنفعته. والجمهور على أنه يجوز الصرف منها إلى الحجاج والمعتمرين وإن كانوا أغنياء. وقال الزمخشري : وفي سبيل اللّه فقراء الغزاة، والحجيج المنقطع بهم انتهى.
والذي يقتضيه تعداد هذه الأوصاف أنها لا تتداخل، واشتراط الفقر في بعضها يقضي بالتداخل. فإن كان الغازي أو الحاج شرط إعطائه الفقر، فلا حاجة لذكره لأنه مندرج في عموم الفقراء، بل كل من كان بوصف من هذه الأوصاف جاز الصرف إليه على أي حال كان من فقر أو غنى، لأنه قام به الوصف الذي اقتضى الصرف إليه. قال ابن عطية : ولا يعطى منها في بناء مسجد، ولا قنطرة، ولا شراء مصحف انتهى.
وابن السبيل قال ابن عباس : هو عابر السبيل. وقال قتادة في آخرين : هو الضيف.
وقال جماعة : هو المسافر المنقطع به وإن كان له مال في بلده. وقالت جماعة : هو إلحاح المنقطع. وقال الزجاج : هو الذي قطع عليه الطريق. وفي كتاب سحنون قال مالك : إذا وجد المسافر المنقطع به من يسلفه لم يجز له أن يأخذ من الصدقة، والظاهر الصرف إليه.
وإن كان له ما يغنيه في طريقه لأنه ابن سبيل، والمشهور أنه إذا كان بهذا الوصف لا يعطى.
قال الزمخشري :(فإن قلت) : لم عدل عن اللام إلى في في الأربعة الأخيرة؟
(قلت) : للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره، لأنّ في للوعاء، فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مظنة لها ومصبا، وذلك لما في فك الرقاب من الكتابة أو الرق أو الأسر، وفي فك الغارمين من الغرم من التخليص والإنقاذ، ولجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر والعبادة، وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال. وتكرير في في قوله تعالى : وفي سبيل اللّه وابن السبيل، فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين. (فإن قلت) : فكيف وقعت هذه الآية في تضاعيف ذكر المنافقين ومكائدهم؟ (قلت) : دل بكون هذه الأوصاف