البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٩١
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ :
قال مقاتل : نزلت في عبد اللّه بن أبي حلف باللّه الذي لا إله إلا هو لا يتخلف عنه بعدها، وحلف ابن أبي سرح لنكونن معه على عدوه، وطلب من الرسول أن يرضى عنه، فنزلت
، وهنا حذف المحلوف به، وفي قوله : سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ «١» أثبت كقوله :
إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها «٢» وقوله : وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ «٣» فلا فرق بين حذفه وإثباته في انعقاد ذلك يمينا. وغرضهم في الحلف رضا الرسول والمؤمنين عنهم لنفعهم في دنياهم، لا أنّ مقصدهم وجه اللّه تعالى. والمراد : هي أيمان كاذبة، وأعذار مختلفة لا حقيقة لها. وفي الآية قبلها لما ذكر حلفهم لأجل الإعراض، جاء الأمر بالإعراض نصا، لأنّ الإعراض من الأمور التي تظهر للناس، وهنا ذكر الحلف لأجل الرضا فأبرز النهي عن الرضا في صورة شرطية، لأن الرضا من الأمور القلبية التي تخفى، وخرج مخرج المتردّد فيه، وجعل جوابه انتفاء رضا اللّه عنهم، فصار رضا المؤمنين عنهم أبعد شيء في الوقوع، لأنه معلوم منهم أنهم لا يرضون عمن لا يرضى اللّه عنهم. ونص على الوصف الموجب لانتفاء الرضا وهو الفسق، وجاء اللفظ عامّا، فيحتمل أن يراد به الخصوص كأنه قيل : فإنّ اللّه لا يرضى عنهم، ويحتمل بقاؤه على العموم فيندرجون فيه ويكونون أولى بالدخول، إذ العام إذا نزل على سبب مخصوص لا يمكن إخراج ذلك السبب من العموم بتخصيص ولا غيره.
الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ : نزلت في أعراب من أسد، وتميم، وغطفان. ومن أعراب حاضري المدينة أي : أشد كفرا من أهل الحضر. وإذا كان الكفر متعلقا بالقلب فقط، فالتقدير أشد أسباب كفر، وإذا دخلت فيه أعمال الجوارح تحققت فيه الشدة. وكانوا أشد كفرا ونفاقا لتوحشهم واستيلاء الهواء الحار عليهم، فيزيد في تيههم ونخوتهم وفخرهم وطيشهم وتربيتهم بلا سائس ولا مؤدب ولا ضابط، فنشأوا كما شاءوا لبعدهم عن مشاهدة العلماء ومعرفة كتاب اللّه وسنة رسول اللّه، ولبعدهم عن مهبط الوحي. كانوا أطلق لسانا بالكفر والنفاق من منافقي المدينة، إذ كان هؤلاء يستولي عليهم الخوف من المؤمنين، فكان كفرهم سرا ولا يتظاهرون به إلا تعريضا. وأجدر أي : أحق أن لا يعلموا أي بأن لا يعلموا. والحدود : هنا الفرائض. وقيل : الوعيد عل مخالفة الرسول، والتأخر عن الجهاد. وقيل : مقادير التكاليف
(٢) سورة القلم : ٦٨/ ١٧. [.....]
(٣) سورة الأنعام : ٦/ ١٠٩.