البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٩٣
ذلك الفساد. ومنه ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ «١» أي امرأ فاسدا. وقال المبرد : لسوء بالفتح الرداءة، ولا يجوز ضم السين في رجل سوء، قاله أكثرهم. وقد حكي بالضم وقال الشاعر :
وكنت كذيب السوء لما رأى دما بصاحبه يوما أحال على الدم
واللّه سميع لأقوالهم عليم بنياتهم.
وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : نزلت في بني مقرن من مزينة قاله مجاهد. وقال عبد الرحمن بن مغفل بن مقرن : كنا عشرة ولد مقرن فنزلت : ومن الأعراب من يؤمن الآية يريد : الستة والسبعة الإخوة على الخلاف في عددهم وبينهم. وقال الضحاك : في عبد اللّه ذي النجادين ورهطه. وقال الكلبي : في أسلم وغفار وجهينة. ولما ذكر تعالى من يتخذ ما ينفق مغرما ذكر مقابله وهو من يتخذ ما ينفق مغنما، وذكر هنا الأصل الذي يترتب عليه إنفاق المال في القربات وهو الإيمان باللّه واليوم الآخر، إذ جزاء ما ينفق إنما يظهر ثوابه الدائم في الآخرة. وفي قصة أولئك اكتفى بذكر نتيجة الكفر وعدم الإيمان، وهو اتخاذه ما ينفق مغرما وتربصه بالمؤمنين بالدوائر. والأجود تعميم القربات من جهاد وصدقة، والمعنى : يتخذه سبب وصل عند اللّه وأدعية الرسول، وكان يدعو للمصدقين بالخير والبركة، ويستغفر لهم كقوله صلى اللّه عليه وسلم :«اللهم صل على آل أبي أوفى»
وقال تعالى : وَصَلِّ عَلَيْهِمْ «٢» والظاهر عطف وصلوات على قربات. قال ابن عطية :
ويحتمل أن يكون وصلوات الرسول عطفا على ما ينفق، أي : ويتخذ بالأعمال الصالحة صلوات الرسول قربة. قال ابن عباس : صلوات الرسول هي استغفاره لهم. وقال قتادة :
أدعيته بالخير والبركة سماها صلوات جريا على الحقيقة اللغوية، أو لأنّ الدعاء فيها، وحين جاء ابن أبي أوفى بصدقته قال :«آجرك اللّه فيما أعطيت، وجعله لك طهورا»
والضمير في أنها قيل : عائد على الصلوات. وقيل : عائد على النفقات. وتحرير هذا القول أنه عائد على ما على معناها، والمعنى : قربة لهم عند اللّه. وهذه شهادة من اللّه للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات وتصديق رجائه على طريق الاستئناف مع حرف التنبيه، وهو ألا وحرف التوكيد وهو أنّ. قال الزمخشري : وما في السين من تحقيق الوعد، وما أدل هذا الكلام على رضا اللّه تعالى عن المتصدقين، وأنّ الصدقة منه تعالى بمكان إذا
(٢) سورة التوبة : ٩/ ١٠٣.