البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٩٦
يشتركان في المبتدأ الذي هو منافقون، ويكون مردوا استئنافا، أخبر عنهم أنهم خريجون في النفاق. ويبعد أن يكون مردوا صفة للمبتدأ الذي هو منافقون، لأجل الفصل بين الصفة والموصوف بالمعطوف على وممن حولكم، فيصير نظير في الدار زيد وفي القصر العاقل، وقد أجازه الزمخشري تابعا للزجاج. ويجوز أن يكون من عطف الجمل، ويقدر موصوف محذوف هو المبتدأ أي : ومن أهل المدينة قوم مردوا، أو منافقون مردوا. قال الزمخشري :
كقوله : أنا ابن جلا. انتهى. فإن كان شبهه في مطلق حذف الموصوف، وإن كان شبهه في خصوصيته فليس بحسن، لأن حذف الموصوف مع من وإقامة صفته مقامه، وهي في تقدير الاسم، ولا سيما في التفصيل منقاس كقولهم : منا ظعن ومنا أقام. وأما أن ابن جلا فضرورة شعر كقوله :
يرمي بكفي كان من أرمى البشر أي بكفي رجل. وكذلك أنا ابن جلا تقديره : أنا ابن رجل جلا أي كشف الأمور. وبينها وعلى الوجه الأول يكون مردوا شاملا للنوعين، وعلى الوجه الثاني يكون مختصا بأهل المدينة. وتقدم شرح مردوا في قوله : شَيْطاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللَّهُ «١» وقال هنا ابن عباس :
مردوا، مرنوا وثبتوا، وقال أبو عبيدة : عتوا من قولهم تمرد. وقال ابن زيد : أقاموا عليه لم يتوبوا لا تعلمهم أي : حتى نعلمك بهم، أو لا تعلم عواقب أمرهم، حكاه ابن الجوزي. أو لا تعلمهم منافقين، لأن النفاق مختص بالقلب. وتقدم لفظ منافقين فدل على المحذوف، فتعدت إلى اثنين قاله : الكرماني. وقال الزمخشري : يخفون عليك مع فطنتك وشهامتك وصدق فراستك لفرط توقيهم ما يشكك في أمرهم. وأسند الطبري عن قتادة في قوله :
لا تعلمهم نحن نعلمهم قال : فما بال أقوام يتكلفون علم الناس؟ فلان في الجنة، فلان في النار، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال : لا أدري أنت لعمري بنفسك أعلم منك بأعمال الناس، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه الرسل. قال نبي اللّه نوح : وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ «٢» وقال نبي اللّه شعيب : بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ «٣» وقال اللّه تعالى لنبيه : لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ انتهى. فلو عاش قتادة إلى هذا العصر الذي هو قرن ثمانمائة وسمع ما أحدث هؤلاء المنسوبون إلى الصوف من الدعاوى
(٢) سورة الشعراء : ٢٦/ ١١٢.
(٣) سورة هود : ١١/ ٨٦.