البحر المحيط، ج ٥، ص : ٤٩٩
والاعتراف بالذنب دليل على التوبة، فلذلك قيل : عسى اللّه أن يتوب عليهم. قال ابن عباس : عسى من اللّه واجب انتهى. وجاء بلفظ عسى ليكون المؤمن على وجل، إذ لفظة عسى طمع وإشفاق، فأبرزت التوبة في صورته، ثم ختم ذلك بما دل على قبول التوبة وذلك، صفة الغفران والرحمة. وهذه الآية وإن نزلت في ناس. مخصوصين فهي عامة في الأمة إلى يوم القيامة. وقال أبو عثمان : ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله :
وآخرون اعترفوا بذنوبهم. وفي حديث الإسراء والمعراج من تخريج البيهقي : أنّ الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وتابوا رآهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم حول إبراهيم، وفي ألوانهم شيء، وأنهم خلطت ألوانهم بعد اغتسالهم في أنهر ثلاثة، وجلسوا إلى أصحابهم البيض الوجوه.
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ : الخطاب للرسول، والضمير عائد على الذين خلطوا
قالوا : يا رسول اللّه هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا، فقال :«ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا» فنزلت.
فيروى أنه أخذ ثلث أموالهم مراعاة لقوله : خذ من أموالهم.
والذي تظاهرت به أقوال المتأولين ابن عباس وغيره : أنها في هؤلاء المتخلفين، وقال جماعة من الفقهاء :
المراد بهذه الآية الزكاة المفروضة. فقوله : على هذا من أموالهم هو لجميع الأموال، والناس عام يراد به الخصوص في الأموال، إذ يخرج عنه الأموال التي لا زكاة فيها كالرباع والثياب. وفي المأخوذ منهم كالعبيد، وصدقة مطلق، فتصدق بأدنى شيء. وإطلاق ابن عطية على أنه مجمل فيحتاج إلى تفسير ليس بجيد. وفي قوله : خذ، دليل على أنّ الإمام هو الذي يتولى أخذ الصدقات وينظر فيها. ومن أموالهم : متعلق بخذ وتطهرهم، وتزكيهم حال من ضمير خذ، فالفاعل ضمير خذ. وأجازوا أن يكون من أموالهم في موضع الحال، لأنه لو تأخر لكان صفة، فلما تقدم كان حالا، وأجازوا أن يكون تطهرهم صفة، وأن يكون استئنافا، وأن يكون ضمير تطهرهم عائدا على صدقة، ويبعد هذا العطف، وتزكيهم فيختلف الضمير أن، فأما ما حكى مكي من أنّ تطهرهم صفة للصدقة وتزكيهم حال من فاعل خذ، فقد ردّ بأنّ الواو للعطف، فيكون التقدير : صدقة مطهرة ومزكيا بها، وهذا فاسد المعنى، ولو كان بغير واو جاز انتهى. ويصح على تقدير مبتدأ محذوف، والواو للحال أي :
وأنت تزكيهم، لكن هذا التخريج ضعيف لقلة نظيره في كلام العرب. والتزكية مبالغة في التطهر وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال. وقرأ الحسن : تطهرهم من أطهر وأطهر وطهر للتعدية من طهر. وصلّ عليهم أي ادع لهم، أو استغفر لهم، أو صل عليهم إذا


الصفحة التالية
Icon