البحر المحيط، ج ٥، ص : ٥٠٤
مستنصرا على الرسول، فمات وحيدا طريدا غريبا بقنسرين، وكان قد دعا بذلك على الكافرين وأمّن الرسول، فكان كما دعا
، وفيه يقول كعب بن مالك :
معاذ اللّه من فعل خبيث كسعيك في العشيرة عبد عمرو
وقلت بأن لي شرفا وذكرا فقد تابعت إيمانا بكفر
وقرأ الأعمش : وإرصادا للذين حاربوا اللّه ورسوله، والظاهر أنّ من قبل متعلقا بحارب، يريد في غزوة الأحزاب وغيرها، أي : من قبل اتخاذ هذا المسجد. وقال الزمخشري :(فإن قلت) : بم يتصل قوله تعالى : من قبل؟ (قلت) : باتخذوا أي : اتخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف انتهى. وليس بظاهر، والخالف هو بخرج أي : ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الحسنى والتوسعة علينا وعلى من ضعف أو عجز عن المسير إلى مسجد قباء. قال الزمخشري : ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الخصلة الحسنى، أو لإرادة الحسنى وهي الصلاة وذكر اللّه تعالى والتوسع على المصلين انتهى. كأنه في قوله : إلا الخصلة الحسنى جعله مفعولا، وفي قوله : أو لإرادة الحسنى جعله علة، وكأنه ضمن أراد معنى قصد أي : ما قصدنا ببنائه لشيء من الأشياء إلا لإرادة الحسنى وهي الصلاة، وهذا وجه متكلف، فأكذبهم اللّه في قولهم، ونهاه أن يقوم فيه فقال : لا تقم فيه أبدا نهاه لأن بناته كانوا خادعوا الرسول، فهمّ الرسول صلى اللّه عليه وسلم بالمشي معهم، واستدعي قميصه لينهض فنزلت :
«لا تقم فيه أبدا»، وعبّر بالقيام عن الصلاة فيه.
قال ابن عباس وفرقة من الصحابة والتابعين : المؤسس على التقوى مسجد قباء، أسسه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصلى فيه أيام مقامه بقباء، وهي : يوم الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، وخرج يوم الجمعة، وهو أولى لأنّ الموازنة بين مسجد قباء ومسجد الضرار أوقع منها بين مسجد الرسول ومسجد الضرار، وذلك لائق بالقصة. وعن زيد بن ثابت، وأبي سعيد، وابن عمر : أنه مسجد الرسول. وروي أنه صلى اللّه عليه وسلم قال :«هو مسجدي هذا» لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى.
وإذا صحّ هذا النقل لم يمكن خلافه، ومن هنا دخلت على الزمان، واستدل بذلك الكوفيون على أنّ من تكون لابتداء الغاية في الزمان، وتأوله البصريون على حذف مضاف أي : من تأسيس أول يوم، لأنّ من مذهبهم أنها لا تجر الأزمان، وتحقيق ذلك في علم النحو. قال ابن عطية : ويحسن عندي أن يستغنى عن تقدير، وأن تكون من تجر لفظة أول لأنها بمعنى البداءة، كأنه قال : من مبتدأ