البحر المحيط، ج ٥، ص : ٩١
وكانت ثمود عربا في سعة من العيش فخالفوا أمر اللّه وعبدوا غيره وأفسدوا فبعث اللّه لهم صالحا نبيا من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا فدعاهم إلى اللّه حتى شمط ولا يتبعه منهم إلا القليل، قاله وهب : بعثه اللّه حين راهق الحلم فلما هلك قومه ارتحل بمن معه إلى مكة فأقاموا معه حتى ماتوا فقبورهم بين دار الندوة والحجر، وصالح هو صالح بن آسف بن كاشح بن أروم بن ثمود بن جاثر بن ارم بن سام بن نوح هكذا نسبه الشريف النسّابة الجواني وهو المنتهى إليه في علم النسب. ووقع في بعض التفاسير بين صالح وآسف زيادة أب وهو عبيد فقالوا صالح بن عبيد بن آسف ونقص في الأجداد وتصحيف جاثر بقولهم عابر، قال الشريف الجواني في المقدمة الفاضلية والعقب من جاثر بن إرم بن سام بن نوح وجديس والعقب من ثمود بن جاثر فالخ وهيلع وتنوق وأروم من ولده صالح النبي صلى اللّه عليه وسلم بن آسف بن كاشح بن أروم بن ثمود.
وقرأ ابن وثاب والأعمش : وَإِلى ثَمُودَ بكسر الدال والتنوين مصروفا في جميع القرآن جعله اسم الحي والجمهور منعوه الصرف جعلوه اسم القبيلة والأخوة هنا في القرابة، لأنّ نسبه ونسبهم راجع إلى ثمود بن جاثر وكل واحد من هؤلاء الأنبياء نوح وهود وصالح تواردوا على الأمر بعبادة اللّه والتنبيه على أنه لا إله غيره إذ كان قومهم عابدي أصنام ومتخذي آلهة مع اللّه كما كانت قريش والعرب ففي هذه القصص توبيخهم وتهديدهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك من الهلاك المستأصل من العذاب وكانت قصة نوح مشهورة طبقت الآفاق وقصة هود وصالح مشهورة عند العرب وغيرهم بحيث ذكرها قدماء الشعراء في الجاهلية وشبهوا مفسدي قومهم بمفسدي قوم هود وصالح قال بعض قدمائهم في الجاهلية :
فينا معاشر لن يبغوا لقومهم وإن بنى قومهم ما أفسدوا عادوا
أضحوا كقيل بن عنز في عشيرته إذ أهلكت بالذي سدّى لها عاد
أو بعده كقدار حين تابعه على الغواية أقوام فقد بادوا
وقيل ابن عنز هو من قوم هود وسيأتي ذكر خبره عند ذكر إرسال الريح على قوم هود إن شاء اللّه وقدار هو ابن سالف عاقر ناقة صالح ويأتي خبره إن شاء اللّه.
قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ أي آية ظاهرة جلية وشاهد على صحة نبوتي وكثر استعمال هذه الصفة استعمال الأسماء في القرآن فولّيت العوامل كقوله حتى جاءتهم البيّنة وقوله بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ «١» والمعنى الآية البينة وبالآيات البينات فقارب أن تكون كالأبطح