البحر المحيط، ج ٥، ص : ٩٣
قال أبو موسى الأشعري : أتيت أرض ثمود فذرعت صدر الناقة فوجدته ستين ذراعا.
فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ لما أضاف الناقة إلى اللّه أضاف محل رعيها إلى اللّه إذ الأرض وما أنبت فيها ملكه تعالى لا ملككم ولا إنباتكم وفي هذا الكلام إشارة إلى
أن هذه الناقة نعمة من اللّه ينال خيرها من غير مشقّة تكلف علف ولا طعمة وهو شأن الإبل كما جاء في الحديث
قال فضالة الإبل، قال مالك : ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربّها وتَأْكُلْ جزم على جواب الأمر، وقرأ أبو جعفر في رواية تَأْكُلْ بالرفع وموضعه حال كانت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وتشرب الماء ترد غبا فإذا كان يومها وضعت رأسها في البئر فما ترفعه حتى تشرب كل ما فيها ثم تفجج فيحلبون ما شاؤوا حتى تمتلىء أوانيهم فيشربون ويدّخرون.
وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ نهاهم عن مسّها بشيء من الأذى وهذا تنبيه بالأدنى على الأعلى إذا كان قد نهاهم عن مسّها بسوء إكراما لآية اللّه فنهيه عن نحرها وعقرها ومنعها عن الماء والكلأ أولى وأحرى والمسّ والأخذ هنا استعارة وهذا وعيد شديد لمن مسّها بسوء والعذاب الأليم هو ما حلّ بهم إذ عقروها وما أعد لهم في الآخرة.
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ذكر صالح قومه بما ذكر به هود قومه فذكر أولا نعما خاصة وهي جعلهم خلفاء بعد الأمة التي سبقتهم وذكر هود لقومه ما اختصوا به من زيادة البسطة في الخلق وذكر صالح لقومه ما اختصوا به من اتخاذ القصور من السهول ونحت الجبال بيوتا ثم ذكرا نعما عامة بقولهما فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ ومعنى وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ أنزلكم بها وأسكنكم إياها والمباءة المنزل في الأرض وهو من باء أي رجع وتقدم ذكره والْأَرْضِ هنا الحجر ما بين الحجاز والشام وتَتَّخِذُونَ حال أو تفسير لقوله وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ فلا موضع له من الإعراب والظاهر أن بعض السهول اتخذوه قصورا أي بنوا فيه قصورا وأنشئوها فيه ولم يستوعبوا جميع سهولها بالقصور وقال الزمخشري : مِنْ سُهُولِها قُصُوراً أي يبنونها من سهولة الأرض بما يعملون منها الرهض واللبن والآجر يعني أن القصور التي بنوها أجزاؤها متخذة من لين الأرض كالجيار والآجر والجصّ كقوله وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا «١» يعني أنّ الصورة كانت مادّتها من الحلي كما أن القصور مادتها من سهول الأرض والأجزاء

(١) سورة الأعراف : ٧/ ١٤٨.


الصفحة التالية
Icon