البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢١٣
اللّه من رضوانه، وما نفضل عليهم به من سوى ثواب الجنة، لا يخرجهم ذلك عن كونهم خالدين في الجنة، فلا يصح الاستثناء على هذا، بخلاف أهل النار فإنه لخروجهم من عذابها إلى الزمهرير يصح الاستثناء.
وقال ابن عطية : وأما قوله إلا ما شاء ربك، فقيل فيه : إن ذلك على طريق الاستثناء الذي ندب الشرع إلى استعماله في كل كلام، فهو على نحو قوله : لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ «١» استثناء في واجب، وهذا الاستثناء هو في حكم الشرط كأنه قال : إن شاء اللّه، فليس يحتاج أن يوصف بمتصل ولا منقطع. وقيل : هو استثناء من طول المدة، وذلك على ما
روي أن جهنم تخرب ويعدم أهلها، وتخفق أبوابها، فهم على هذا يخدلون حتى يصير أمرهم إلى هذا
وهذا قول محيل. والذي روى ونقل عن ابن مسعود وغيره : أنها تخلو من النار إنما هو الدرك الأعلى المختص بعصاة المؤمنين، وهو الذي يسمى جهنم، وسمى الكل به تجوزا. وقيل : إلا بمعنى الواو، فمعنى الآية : وما شاء اللّه زائدا على ذلك. وقيل : إلا في هذه الآية بمعنى سوى، والاستثناء منقطع كما تقول : لي عندك ألفا درهم إلا الألف التي كنت أسلفتك، بمعنى سوى تلك الألف. فكأنه قال : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، سوى ما شاء اللّه زائدا على ذلك، ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى بعد هذا : عطاء غير مجذوذ، وهذا قول الفرّاء. وقيل : سوى ما أعد لهم من أنواع العذاب مما لا يعرف كالزمهرير. وقيل : استثناء من مدة السموات والأرض التي فرطت لهم في الحياة الدنيا. وقيل : في البرزخ بين الدنيا والآخرة. وقيل : في المسافات التي بينهم في دخول النار إذ دخولهم إنما هو زمرا بعد زمر. وقيل : الاستثناء من قوله : ففي النار، كأنه قال : إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك، وهذا قول رواه أبو نصرة عن جابر، أو عن أبي سعيد الخدري، ثم أخبر منبها على قدرة اللّه تعالى فقال : إن ربك فعال لما يريد انتهى. وقال أبو مجلز : إلا ما شاء ربك أن يتجاوز عنه بعذاب يكون جزاؤه الخلود في النار، فلا يدخله النار. وقيل : معنى إلا ما شاء ربك كما شاء ربك، قيل : كقوله : وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ «٢» أي كما قد سلف. وقرأ الحسن :
شقوا بضم الشين، والجمهور بفتحها. وقرأ ابن مسعود، وطلحة بن مصرّف، وابن وثاب، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وحفص سعدوا بضم السين، وباقي السبعة والجمهور

(١) سورة الفتح : ٤٨/ ٢٧.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٢٢.


الصفحة التالية
Icon