البحر المحيط، ج ٧، ص : ٥١
وقيل : ذكر مَكْرُوهاً على لفظ كُلُّ وجوزوا في مَكْرُوهاً أن يكون خبرا ثانيا لكان على مذهب من يجيز تعداد الأخبار لكان، وأن يكون بدلا من سيئة والبدل بالمشتق ضعيف، وأن يكون حالا من الضمير المستكن في الظرف قبله والظرف في موضع الصفة.
قيل : ويجوز أن يكون نعتا لسيئة لما كان تأنيثها مجازيا جاز أن توصف بمذكر، وضعف هذا بأن جواز ذلك إنما هو في الإسناد إلى المؤنث المجازي إذا تقدم، أما إذا تأخر وأسند إلى ضميرها فهو قبيح، تقول : أبقل الأرض إبقالها فصيحا والأرض أبقل قبيح، وأما من قرأ سَيِّئُهُ بالتذكير والإضافة فسيئة اسم كانَ ومَكْرُوهاً الخبر، ولما تقدم من الخصال ما هو سيىء وما هو حسن أشير بذلك إلى المجموع وأفرد سيئة وهو المنهي عنه، فالحكم عليه بالكراهة من قوله لا تجعل إلى آخر المنهيات. وأما قراءة عبد اللّه فتخرج على أن يكون مما أخبر فيه عن الجمع إخبار الواحد المذكر وهو قليل نحو قوله :
فإن الحوادث أودى بها لصلاحية الحدثان مكان الحوادث وكذلك هذا أيضا كان ما يسوء مكان سيئاته ذلك إشارة إلى جميع أنواع التكاليف من قوله لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ - إلى قوله - وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً «١» وهي أربعة وعشرون نوعا من التكاليف بعضها أمر وبعضها نهي بدأها بقوله لا تَجْعَلْ. واختتم الآيات بقوله وَلا تَجْعَلْ وقال : مما أوحى لأن ذلك بعض مما أوحي إليه إذ أوحى إليه بتكاليف أخر، ومِمَّا أَوْحى خبر عن ذلك، ومِنَ الْحِكْمَةِ يجوز أن يكون متعلقا بأوحى وأن يكون بدلا من ما، وأن يكون حالا من الضمير المنصوب المحذوف العائد على ما وكانت هذه التكاليف حكمة لأن حاصلها يرجع إلى الأمر بالتوحيد وأنواع الطاعات والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة، والعقول تدل على صحتها وهي شرائع في جميع الأديان لا تقبل النسخ.
وعن ابن عباس : إن هذه الآيات كانت في ألواح موسى عليه السلام، أولها لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ قال تعالى : وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ «٢» وكرر تعالى النهي عن الشرك، ففي النهي الأول. فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا «٣» وفي الثاني فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً والفرق بين مذموم وملوم أن كونه مذموما أن يذكر أن الفعل الذي أقدم عليه قبيح منكر، وكونه ملوما أن يقال له بعد
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ١٤٥.
(٣) سورة الإسراء : ١٧/ ١٨.