البحر المحيط، ج ٧، ص : ٥٥
يحمل نسبته إلى السموات والأرض على المجاز، ونسبته إلى الملائكة والثقلين على الحقيقة لئلا يكون جمعا بين المجاز والحقيقة بلفظ واحد.
وقال ابن عطية ثم أعاد على السموات والأرض ضمير من يعقل لما أسند إليها فعل العاقل وهو التسبيح انتهى. ويعني بالضمير في قوله وَمَنْ فِيهِنَّ وكأنه تخيل أن هن لا يكون إلّا لمن يعقل من المؤنثات وليس كما تخيل بل هن يكون ضمير الجمع المؤنث مطلقا. وقرأ النحويان وحزة وحفص : تسبّح بالتاء من فوق وباقي السبعة بالياء، وفي بعض المصاحف سبّحت له السموات بلفظ الماضي وتاء التأنيث وهي قراءة عبد اللّه والأعمش وطلحة بن مصرف. إِنَّهُ كانَ حَلِيماً حيث لا يعاجلكم بالعقوبة على سوء نظركم غَفُوراً إن رجعتم ووحدتم اللّه تعالى.
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً.
نزلت وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ في أبي سفيان والنضر وأبي جهل وأم جميل امرأة أبي لهب، كانوا يؤذون الرسول إذا قرأ القرآن، فحجب اللّه أبصارهم إذا قرأ فكانوا يمرون به ولا يرونه قاله الكلبي : وعن ابن عباس نزلت في امرأة أبي لهب، دخلت منزل أبي بكر وبيدها فهر والرسول صلّى اللّه عليه وسلّم عنده، فقالت : هجاني صاحبك، قال : ما هو بشاعر، قالت : قال فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ «١» وما يدريه ما في جيدي؟ فقال لأبي بكر :«سلها هل ترى غيرك فإن ملكا لم يزل يسترني عنها» فسألها فقالت : أتهزأ بي ما أرى غيرك؟ فانصرفت ولم تر الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقيل : نزلت في قوم من بني عبد الدار كانوا يؤذونه في الليل إذا صلى وجهر بالقراءة، فحال اللّه بينهم وبين أذاه.
ولما تقدّم الكلام في تقرير الإلهية جاء بعده تقرير النبوة وذكر شيء من أحوال الكفرة في إنكارها وإنكار المعاد، والمعنى وإذا شرعت في القراءة وليس المعنى على الفراغ من القراءة بل المعنى على أنك إذا التبست بقراءة القرآن ولا يراد بالقرآن جميعه بل ما ينطلق

(١) سورة المسد : ١١/ ٥.


الصفحة التالية
Icon