البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤١٨
ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
سَخَّرَ لَكُمْ : تنبيه على الصنعة الدالة على الصانع من تسخير ما فِي السَّماواتِ : من الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب وَما فِي الْأَرْضِ : من الحيوان، والنبات، والمعادن، والبحار، وغير ذلك وذلك لا يكون إلا بمسخر من مالك متصرف كما يشاء. وقرأ ابن عباس، ويحيى بن عمارة : وأصبغ بالصاد، وهي لغة لبني كلب، يبدلونها من السين، إذا جامعت الغين أو الخاء أو القاف صادا وباقي القراء :
بالسين على الأصل. وقرأ الحسن، والأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، ونافع، وأبو عمرو، وحفص : نِعَمَهُ جمعا مضافا للضمير وباقي السبعة، وزيد بن علي : نعمة، على الإفراد. والظاهر أنه يراد بالنعمة الظاهرة : الإسلام، والباطنة : الستر. وعن الضحاك، الظاهرة : حسن الصورة وامتداد القامة وتسوية الأعضاء، والباطنة : المعرفة. وقيل :
الظاهرة : البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح، والباطنة : القلب والعقل والفهم. والذي ينبغي أن يقال : إن الظاهرة مما يدرك بالمشاهدة، والباطنة ما لا يعلم إلا بدليل، أو لا يعلم أصلا. فكم من نعمة في بدن الإنسان لا يعلمها، ولا يهتدي إلى العلم بها؟ وانتصب ظاهِرَةً على الحال من نِعَمَهُ، الجمع على الصفة، ومن نعمة على الإفراد. وتقدم الكلام على : وَمِنَ النَّاسِ إلى : مُنِيرٍ، في الحج، وعلى ما بعده إلى : آباءَنا، في نظيره في البقرة. أَوَلَوْ : كان تقديره : أيتبعونهم في أحوالهم؟ وفي هذه الحال التي لا ينبغي أن لا يتبع فيها الآباء؟ لأنها حال تلف وعذاب. وقد تقدم لنا أن مثل هذا التركيب الذي فيه ولو، إنما يكون في الشيء الذي كان ينبغي أن لا يكون، نحو : اعطوا السائل ولو جاء على فرس، ردوا السائل ولو بظلف محرق، وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ «١».
وكذلك هذا، كان ينبغي من دعا إلى عذاب السعير أن لا يتبع. وقرأ الجمهور :
وَمَنْ يُسْلِمْ، مضارع أسلم
وعلي، والسلمي، وعبد اللّه بن مسلم بن يسار :
بتشديد اللام، مضارع سلم
، وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة في البقرة، والمراد :
التفويض إلى اللّه. فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى : تقدم الكلام عليه في البقرة. وقال الزمخشري، من باب التمثيل : مثلت حال المتوكل بحال من تدلى من شاهق، فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه. انتهى. ولما ذكر حال الكافر

(١) سورة يوسف : ١٢/ ١٧.


الصفحة التالية
Icon