البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٢٣
وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ، وفي الحج مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ «١»، بزيادة هو. ولما ذكر تعالى تسخير النيرين وامتنانه بذلك علينا، ذكر أيضا من سخر الفلك من العالم الأرضي بجامع ما اشتركا فيه من الجريان. وقرأ الجمهور : بِنِعْمَتِ اللَّهِ على الإفراد اللفظي. وقرأ الأعرج، والأعمش، وابن يعمر : بنعمات اللّه، بكسر النون وسكون العين جمعا بالألف والتاء. وقرأ ابن أبي عبلة : بفتح النون وكسر العين بالألف والتاء والباء، وتحتمل السببية، أي تجري بسبب الريح وتسخير اللّه، وتحتمل الحالية، أي مصحوبة بنعمة اللّه، وهي ما تحمله السفن من الطعام والأرزاق والتجارات. وقال ابن عطية : الباء للالصاق. انتهى. وقرأ موسى بن الزبير : الْفُلْكَ، بضم اللام. وصَبَّارٍ شَكُورٍ
: بنيتا مبالغة، وفعال أبلغ لزيادة حروفه.
ولما تقدم ذكر جري الفلك في البحر، وكأن في ذلك ما لا يخفى على راكبه من الخوف، وتقدم ذكر النعمة، ناسب الختم بالصبر على ما يحذر، وبالشكر على ما أنعم به تعالى، وشبه الموج في ارتفاعه واسوداده واضطرابه بالظلل، وهو السحاب. وقيل :
كالظلل : كالجبال، أطلق على الجبل ظلة. وقرأ محمد بن الحنفية : كالظلال، وهما جمع ظلة، نحو : قلة وقلل وقلال. وقوله : وَإِذا غَشِيَهُمْ، فيه التفات خرج من ضمير الخطاب في لِيُرِيَكُمْ إلى ضمير الغيبة في غَشِيَهُمْ. ومَوْجٌ : اسم جنس يفرق بينه وبين مفرده بتاء التأنيث، فهو يدل على الجمع، ولذلك شبهه بالجمع.
فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، قال الحسن : أي مؤمن يعرف حق اللّه في هذه النعم. وقال مجاهد : مقتصد على كفره : أي يسلم للّه ويفهم أن نحو هذا من القدرة، وإن ضل في الأصنام من جهة أنه يعظمها. قيل : أو مقتصد في الإخلاص الذي كان عليه في البحر. قال الزمخشري : يعني أن ذلك الإخلاص الحادث عند الخوف لا ينبغي لأحد قط. انتهى.
وكثر استعمال الزمخشري قط ظرفا، والعامل فيه غير ماض، وهو مخالف لكلام العرب في ذلك. فقبل حذف مقابل فمنهم مؤمن مقتصد تقديره : ومنهم جاحد ودل عليه، قوله : وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا. وعلى هذا القول يكون مقتصد معناه : مؤمن مقتصد في أقواله وأفعاله بين الخوف والرجاء، موف بما عاهد اللّه عليه في البحر، وختم هنا ببنيتي مبالغة، وهما :
خَتَّارٍ، وكَفُورٍ. فالصبار الشكور معترف بآيات اللّه، والختار الكفور يجحد بها.
وتوازنت هذه الكلمات لفظا ومعنى. أما لفظا فظاهر، وأما معنى فالختار هو الغدار، والغدر