البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٣٣
شيء، بدل شيء من شيء، وهما لعين واحدة. ومعنى أَحْسَنَ : حسن، لأنه ما من شيء خلقه إلّا وهو مرتب على ما تقضيه الحكمة. فالمخلوقات كلها حسنة، وإن تفاوتت في الحسن، وحسنها من جهة المقصد الذي أريد بها. ولهذا قال ابن عباس : ليست القردة بحسنة، ولكنها متقنة محكمة. وعلى قراءة من سكن لام خلقه، قال مجاهد : أعطى كل جنس شكله، والمعنى : خلق كل شيء على شكله الذي خصه به. وقال الفراء : ألهم كل شيء خلقه فيما يحتاجون إليه، كأنه أعلمهم ذلك، فيكون كقوله : أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ «١». وقرأ الجمهور : بدأ بالهمز والزهري : بالألف بدلا من الهمزة، وليس بقياس أن يقول في هدأ : هدا، بإبدال الهمزة ألفا، بل قياس هذه الهمزة التسهيل بين بين على أن الأخفش حكى في قرأت : قريت ونظائره. وقيل : وهي لغية والأنصار تقول في بدأ :
بدى، بكسر عين الكلمة وياء بعدها، وهي لغة لطي. يقولون في فعل هذا نحو بقي : بقأ، فاحتمل أن تكون قراءة الزهري على هذه اللغة أصله بدى، ثم صار بدأ، أو على لغة الأنصار. وقال ابن رواحة :
باسم الإله وبه بدينا ولو عبدنا غيره شقينا
وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ : هو آدم، عليه الصلاة والسلام. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ : أي ذريته.
نسل من الشيء : انفصل منه. ثُمَّ سَوَّاهُ : قومه وأضاف الروح إلى ذاته دلالة على أنه خلق عجيب، لا يعلم حقيقته إلا هو، وهي إضافة ملك إلى مالك وخلق إلى خالق تعالى.
وَجَعَلَ لَكُمُ : التفات، إذ هو خروج من مفرد غائب إلى جمع مخاطب، وتعديد للنعم، وهي شاملة لآدم كما أن التسوية ونفخ الروح شامل له ولذريته. والظاهر أن وَقالُوا الضمير لجمع، وقيل : القائل أبيّ بن خلف، وأسند إلى الجمع لرضاهم به، والناصب للظرف محذوف يدل عليه أَإِنَّا وما بعدها تقديره انبعث. أَإِذا ضَلَلْنا، ومن قرأ إذا بغير استفهام، فجواب إذا محذوف، أي : إذا ضللنا في الأرض نبعث، ويكون إخبارا منهم على طريق الاستهزاء. وكذلك من قرأ : إنا على الخبر، أكدوا ذلك الاستهزاء باستهزاء آخر. وقرأ الجمهور : بفتح اللام، والمضارع يضل بكسر عين الكلمة، وهي اللغة الشهيرة الفصيحة، وهي لغة نجد. قال مجاهد : هلكنا، وكل شيء غلب عليه غيره حتى تلف وخفي فقد هلك، وأصله من : ضل الماء في اللبن، إذا ذهب. وقال قطرب : ضللنا : غبنا في الأرض، وأنشد قول النابغة الذبياني :