البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٥٦
تقديره : عن صدقهم عهده. أو يكون صِدْقِهِمْ في معنى : تصديقهم، ومفعوله محذوف، أي عن تصديقهم الأنبياء، لأن من قال للصادق صدقت، كان صادقا في قوله. أو ليسأل الأنبياء الذي أجابتهم به أممهم، حكاه علي بن عيسى أو ليسأل عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم، حكاه ابن شجرة أو ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم، قاله مجاهد، وفي هذا تنبيه، أي إذا كان الأنبياء يسألون، فكيف بمن سواهم؟ وقال مجاهد أيضا : لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ، أراد المؤدين عن الرسل. انتهى. وسؤال الرسل تبكيت للكافرين بهم، كما قال تعالى : أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ «١»، وقال تعالى : فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ «٢». وَأَعَدَّ :
معطوف على أَخَذْنا، لأن المعنى : أن اللّه أكد على الأنبياء الدعاء إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين. وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً، أو على ما دل عليه : لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ، كأنه قال : فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين، قالهما الزمخشري. ويجوز أن يكون حذف من الأول ما أثيب به الصادقون، وهم المؤمنون، وذكرت العلة وحذف من الثاني العلة، وذكر ما عوقبوا به. وكان التقدير : ليسأل الصادقين عن صدقهم، فأثابهم ويسأل الكافرين عما أجابوا به رسلهم، كقوله : وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ، فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ «٣»، وأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً «٤»، فحذف من الأول ما أثبت مقابله في الثاني، ومن الثاني ما أثبت مقابله في الأول، وهذه طريقة بليغة، وقد تقدم لنا ذكر ذلك في قوله :
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ «٥»، وأمعنا الكلام هناك.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً، إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً، وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً، وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً، وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ٦.
(٣) سورة القصص : ٢٨/ ٦٥ - ٦٦.
(٤) سورة الإنسان : ٧٦/ ٣١.
(٥) سورة البقرة : ٢/ ١٧١.