البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٦٢
الحسن : الفتنة، الشرك، والظاهر عود الضمير بها على الفتنة. وقيل : يعود على المدينة.
وعاهَدُوا : أجرى مجرى اليمين، ولذلك يتلقى بقوله : لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ. وجواب هذا القسم جاء على الغيبة عنهم على المعنى : ولو جاء كما لفظوا به، لكان التركيب :
لا نولي الأدبار. والذين عاهدوا : بنو حارثة وبنو مسلمة، وهما الطائفتان اللتان هما بالفشل في يوم أحد، ثم تابوا وعاهدوا أن لا يفروا، فوقع يوم الخندق من بني حارثة ذلك الاستئذان. قال ابن عباس : عاهدوا بمكة ليلة العقبة أن يمنعوه مما يمنعون منهم أنفسهم.
وقيل : ناس غابوا عن وقعة بدر قالوا : لئن أشهدنا اللّه قتالا لنقاتلن من قبل : أي من قبل هذه الغزوة، غزوة الخندق. لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ : كناية عن الفرار والانهزام، سئلوا مطلوبا مقتضى حتى يوفى به، وفي ذلك تهديد ووعيد.
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ : خطاب توبيخ وإعلام أن الفرار لا ينجي من القدر، وأنه تنقطع أعمارهم في يسير من المدة، واليسير : مدة الآجال، قال الربيع بن خيثم :
وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، أي : إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ، أو القتل، لا ينفعكم الفرار، لأن مجيء الأجل لا بد منه. وإذا هنا تقدّمها حرف عطف، فلا يتحتم إعمالها، بل يجوز، ولذلك قرأ بعضهم : وإذا لا يلبثوا خلفك «١» في سورة الإسراء، بحذف النون. ومعنى خلفك : أي بعد فراقهم إياك. وقَلِيلًا : نعت لمصدر محذوف، أي تمتيعا قليلا، أو لزمان محذوف، أي زمانا قليلا. ومرّ بعض المروانية على حائط مائل فأسرع، فتليت له هذه الآية، فقال : ذلك القليل نطلب. وقرأ الجمهور : لا تُمَتَّعُونَ، بتاء الخطاب وقرئ : بياء الغيبة. ومَنْ ذَا : استفهام، ركبت ذا مع من وفيه معنى النفي، أي لا أحد يعصمكم من اللّه. قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جعلت الرحمة قرينة السوء في العصمة، ولا عصمة إلا من السوء؟ قلت : معناه أو يصيبكم بسوء إن أراد بكم رحمة، فاختصر الكلام وأجرى مجرى قوله :
متقلدا سيفا ورمحا أو حمل الثاني على الأول لما في العصمة من معنى المنع. انتهى.
أما الوجه الأول ففيه حذف جملة لا ضرورة تدعو إلى حذفها، والثاني هو الوجه، لا سيما إذا قدر مضاف محذوف، أي يمنعكم من مراد اللّه. والقائلين لإخوانهم كانوا، أي

(١) سورة الإسراء : ١٧/ ٧٦ : وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ... الآية.


الصفحة التالية