البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٦٥
إيمان، وإن لم يواطئه القلب وأن ما يعمله المنافق من الأعمال يجزى عليه. فبين أن إيمانه ليس بإيمان، وأن كل عمل يوجد منه باطل. انتهى، وفي كلامه استعمال عسى صلة لمن، وهو لا يجوز. وقال ابن زيد، عن أبيه : نزلت في رجل بدري، نافق بعد ذلك ووقع في هذه المعاني، فأحبط اللّه عمله في بدر وغيرها. وكان ذلك، أي الإحباط، أو حالهم من شحهم ونظرهم، يسيرا لا يبالى به، ولا له أثر في دفع خير، ولا عليه شر. وقال الزمخشري : عَلَى اللَّهِ يَسِيراً، معناه : أن أعمالهم حقيقة بالإحباط، تدعو إليه الدواعي، ولا يصرف عنه صارف. انتهى. وهي ألفاظ المعتزلة.
يَحْسَبُونَ أنهم لم يرحلوا، وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ كرة ثانية، تمنوا لخوفهم بما منوا به عند الكرة أنهم مقيمون في البدو مع الأعراب، وهم أهل العمود، يرحلون من قطر إلى قطر، يسألون من قدم من المدينة عما جرى عليكم من قتال الأحزاب، يتعرفون أحوالكم بالاستخبار، لا بالمشاهدة، فرقا وجبنا، وغرضهم من البداوة أن يكونوا سالمين من القتال، ولو كانوا فيكم ولم يرجعوا إلى المدينة، وكان قتال لم يقاتلوا إلا قليلا، لعلة ورياء وسمعة. قال ابن السائب : رميا بالحجارة خاصة دون سائر أنواع القتال. وقرأ الجمهور : بادُونَ، جمع سلامة لباد. وقرأ عبد اللّه، وابن عباس، وابن يعمر، وطلحة :
بدى على وزن فعل، كفاز وغزى، وليس بقياس في معتل اللام، بل شبه بضارب، وقياسه فعلة، كقاض وقضاة. وعن ابن عباس : بدا فعلا ماضيا وفي رواية صاحب الإقليد : بدى بوزن عدى. وقرأ الجمهور : يَسْئَلُونَ، مضارع سأل. وحكى ابن عطية أن أبا عمرو وعاصما والأعمش قرأوا : يسالون، بغير همز، نحو قوله : سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ «١»، ولا يعرف ذلك عن أبي عمرو وعاصم، ولعل ذلك في شاذهما ونقلهما صاحب اللوامح عن الحسن والأعمش. وقرأ زيد بن علي، وقتادة، والجحدري، والحسن، ويعقوب بخلاف عنهما : يسأل بعضهم بعضا، أي يقول بعضهم لبعض : ماذا سمعت وماذا بلغك؟ أو يتساءلون الأعراب، كما تقول : تراءينا الهلال. ثم سلى اللّه نبيه عنهم وحقر شأنهم بأن أخبر أنهم لو حضروا ما أغنوا وما قاتلوا إلا قتالا قليلا. قال : هو قليل من حيث هو رياء، ولو كان كثيرا.
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ