البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٨١
الإسلام فما بعده، عقب ذلك بما صدر من بعض المسلمين، إذ أشار الرسول بأمر وقع منهم الإباء له، فأنكر عليهم، إذ طاعته، عليه السلام، من طاعة اللّه، وأمره من أمره.
والْخِيَرَةُ : مصدر من تخير على غير قياس، كالطيرة من تطير. وقرئ : بسكون الياء، ذكره عيسى بن سليمان. وقرأ الحرميان، والعربيان، وأبو جعفر، وشيبة، والأعرج، وعيسى : أن تكون، بتاء التأنيث والكوفيون، والحسن، والأعمش، والسلمي : بالياء.
ولما كان قوله : لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ، يعم في سياق النفي، جاء الضمير مجموعا على المعنى في قوله : لَهُمُ، مغلبا فيه المذكر على المؤنث. وقال الزمخشري : كان من حق الضمير أن يوحد، كما تقول : ما جاءني من رجل ولا امرأة إلا كان من شأنه كذا. انتهى.
ليس كما ذكر، لأن هذا عطف بالواو، فلا يجوز إفراد الضمير إلا على تأويل الحذف، أي :
ما جاءني من رجل إلا كان من شأنه كذا، وتقول : ما جاء زيد ولا عمرو إلا ضربا خالدا، ولا يجوز إلا ضرب إلا على الحذف، كما قلنا.
وَإِذْ تَقُولُ : الخطاب للرسول، عليه السلام. لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، بالإسلام، وهو أجل النعم، وهو زيد بن حارثة الذي كان الرسول تبناه. وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ : وهو عتقه، وتقدّم طرف من قصته في أوائل السورة. أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ : وهي زينب بنت جحش، وتقدّم أن الرسول كان خطبها له. وقيل : أنعم اللّه عليه بصحبتك ومودتك، وأنعمت عليه بتبنيه. فجاء زيد فقال : يا رسول اللّه، إني أريد أن أفارق صاحبتي، فقال :
«أرابك منها شي ء؟» قال : لا واللّه ولكنها تعظم علي لشرفها وتؤذيني بلسانها، فقال :
«أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ»، أي لا تطلقها، وهو أمر ندب، «وَاتَّقِ اللَّهَ في معاشرتها».
فطلقها، وتزوجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بعد انقضاء عدّتها.
وعلل تزويجه إياها بقوله : لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أن يتزوجوا زوجات من كانوا تبنوه إذا فارقوهن، وأن هؤلاء الزوجات ليست داخلات فيما حرم في قوله : وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ «١».
وقال علي بن الحسين : كان قد أوحى اللّه إليه أن زيدا سيطلقها، وأنه يتزوجها بتزويج اللّه إياها. فلما شكا زيد خلقها، وأنها لا تطيعه، وأعلمه بأنه يريد طلاقها، قال له :
«أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ»
، على طريق الأدب والوصية، وهو يعلم أنه سيطلقها.
وهذا هو الذي أخفي في نفسه، ولم يرد أنه يأمره بالطلاق.
ولما علم من أنه سيطلقها،

(١) سورة النساء : ٤/ ٢٣.


الصفحة التالية
Icon