البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٨٦
وتنزيهه عما لا يليق به. والذكر الكثير، قال ابن عباس : أن لا ينساه أبدا، أو التسبيح مندرج في الذكر، لكنه خص بأنه ينزهه تعالى عما لا يليق به، فهو أفضل، أو من أفضل الأذكار. وعن قتادة : قولوا سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا باللّه. وعن مجاهد : هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب. وبُكْرَةً وَأَصِيلًا :
يقتضيهما اذكروا وسبحوا، والنصب بالثاني على طريق الإعمال، والوقتان كناية عن جميع الزمان، ذكر الطرفين إشعار بالاستغراق. وقال ابن عباس : أي صلوا صلاة الفجر والعشاء.
وقال الأخفش : ما بين العصر إلى العشاء. وقال قتادة : الإشارة بهذين الوقتين إلى صلاة الغداة وصلاة العصر ويجوز أن يكون الأمر بالذكر وإكثاره تكثير الطاعات والإقبال على الطاعات، فإن كل طاعة وكل خير من جملة الذكر. ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وأصيلا، وهي الصلاة في جميع أوقاتها، تفضل الصلاة غيرها، أو صلاة الفجر والعشاء، لأن أداءهما أشق.
ولما أمرهم بالذكر والتسبيح، ذكر إحسانه تعالى بصلاته عليهم هو وملائكته. قال الحسن : يُصَلِّي عَلَيْكُمْ : يرحمكم. وقال ابن جبير : يغفر لكم. وقال أبو العالية يثني عليكم. وقيل : يترأف بكم. وصلاة الملائكة الاستغفار، كقوله تعالى : وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا «١». وقال مقاتل : الدعاء، والمعنى : هو الذي يترحم عليكم، حيث يدعوكم إلى الخير، ويأمركم بإكثار الذكر والطاعة، ليخرجكم من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة.
وقال ابن زيد : من الضلالة إلى الهدى. وقال مقاتل : من الكفر إلى الإيمان. وقيل : من النار إلى الجنة، حكاه الماوردي. وقيل : من القبور إلى البعث. وَمَلائِكَتُهُ : معطوف على الضمير المرفوع المستكن في يُصَلِّي، فأغنى الفصل بالجار والمجرور عن التأكيد، وصلاة اللّه غير صلاة الملائكة، فكيف اشتركا في قدر مشترك؟ وهو إرادة وصول الخير إليهم. فاللّه تعالى يريد برحمته إياهم إيصال الخير إليهم، وملائكته يريدون بالاستغفار ذلك. وقال الزمخشري : جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة، كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة، ونظيره قولهم : حياك اللّه : أي أحياك وأبقاك، وحييتك : أي دعوت لك بأن يحييك اللّه، لأنك لا تكالك على إجابة دعوتك كأنك تبقيه على الحقيقة وكذلك عمرك اللّه وعمرتك، وسقاك اللّه وسقيتك، وعليه قوله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ : أي ادعوا له بأن يصلى عليه. وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً : دليل