البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٩٢
إشارة إلى أن أزواجه اللواتي تقدم النص عليهن بالتحليل، فيأتي الكلام مثبتا مطردا أكثر من اطراده على التأويل الآخر.
وَبَناتِ عَمِّكَ،
قالت أم هانىء، بنت أبي طالب : خطبني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فاعتذرت إليه فعذرني، ثم نزلت هذه الآية فحرمتني عليه، لأني لم أهاجر معه، وإنما كنت من الطلقاء.
والتخصيص ب اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ، لأن من هاجر معه من قرابته غير المحارم أفضل من غير المهاجرات. وقيل : شرط الهجرة في التحليل منسوخ. وحكى الماوردي في ذلك قولين : أحدهما : أن الهجرة شرط في إحلال الأزواج على الإطلاق.
والثاني : أنه شرط في إحلال قرابات المذكورات في الآية دون الأجنبيات، والمعية هنا :
الاشتراك في الهجرة لا في الصحبة فيها، فيقال : دخل فلان معي وخرج معي، أي كان عمله كعملي وإن لم يقترنا في الزمان. ولو قلت : فرجعنا معا، اقتضى المعنيان الاشتراك في الفعل، والاقتران في الزمان. وأفرد العم والخال لأنه اسم جنس، والعمة والخالة كذلك، وهذا حرف لغوي قاله أبو بكر بن العربي القاضي.
وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً، قال ابن عباس، وقتادة : هي ميمونة بنت الحارث. وقال علي بن الحسين، والضحاك، ومقاتل : هي أم شريك.
وقال عروة، والشعبي : هي زينب بنت خزيمة، أم المساكين، امرأة من الأنصار. وقال عروة أيضا : هي خولة بنت حكيم بن الأوقص السلمية. واختلف في ذلك.
فعن ابن عباس : لم يكن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أحد منهن بالهبة.
وقيل : الموهبات أربع : ميمونة بنت الحارث، ومن ذكر معها قبل. وقرأ الجمهور : وَامْرَأَتَ، بالنصب إِنْ وَهَبَتْ، بكسر الهمزة : أي أحللناها لك. إِنْ وَهَبَتْ، إِنْ أَرادَ، فهنا شرطان، والثاني في معنى الحال، شرط في الإحلال هبتها نفسها، وفي الهبة إرادة استنكاح النبي، كأنه قال : أحللناها لك إن وهبت لك نفسها، وأنت تريد أن تستنكحها، لأن إرادته هي قبوله الهبة وما به تتم، وهذان الشرطان نظير الشرطين في قوله : وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ، إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ «١».
وإذا اجتمع شرطان، فالثاني شرط في الأول، متأخر في اللفظ، متقدم في الوقوع، ما لم تدل قرينة على الترتيب، نحو : إن تزوجتك أو طلقتك فعبدي حر. واجتماع الشرطين مسألة فيها خلاف وتفصيل، وقد استوفينا ذلك في (شرح التسهيل)، في باب الجوازم. وقرأ أبو