البحر المحيط، ج ٨، ص : ٥٠٨
ولما لم يجد تمنيهم الإيمان بطاعة اللّه ورسوله، ولا قام لهم عذر في تشكيهم ممن أضلهم، دعوا على ساداتهم. رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ : ضعفا على ضلالهم في أنفسهم، وضعفا على إضلال من أضلوا. وقرأ الجمهور : كثيرا بالثاء المثلثة. وقرأ حذيفة بن اليمان، وابن عامر، وعاصم، والأعرج : بخلاف عنه بالباء. كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى، قيل : نزلت في شأن زيد وزينب، وما سمع فيه من قاله بعض الناس. وقيل : المراد حديث الإفك على أنه ما أوذي نبي مثل ما أوذيت. وفي حديث الرجل الذي قال لقسم قسمه رسول اللّه : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه اللّه، فغضب وقال : رحم اللّه أخي موسى، لقد أوذي أكثر من هذا فصبر. وإذاية موسى قولهم : إنه أبرص وآدر، وأنه حسد أخاه هارون وقتله.
أو حديث المومسة المستأجرة لأن تقول : إن موسى زنى بها، أو ما نسبوه إليه من السحر والجنون، أقوال.
مِمَّا قالُوا : أي من وصم ما قالوا، وما موصولة أو مصدرية. وقرأ الجمهور :
وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ : الظرف معمول لوجيها، أي ذا وجه ومنزلة عند اللّه تعالى، تميط عنه الأذى وتدفع التهم. وقرأ عبد اللّه، والأعمش، وأبو حيوة : عبد من العبودية، للّه جر بلام الجر، وعبدا خبر كان، ووجيها صفة له. قال ابن خالويه : صليت خلف ابن شنبوذ في شهر رمضان فسمعته يقرأ : وكان عبد اللّه، على قراءة ابن مسعود. قال ابن زيد : وَجِيهاً :
مقبولا. وقال الحسن : مستجاب الدعوة، ما سأل شيئا إلا أعطي، إلا الرؤية في الدنيا.
وقال قطرب : رفيع القدر وقيل : وجاهته أنه كلمه ولقبه كليم اللّه. والسديد : تقدم شرحه في أوائل النساء. وقال ابن عباس : هنا صوابا. وقال مقاتل، وقتادة : سديدا في شأن زيد وزينب والرسول. وقال ابن عباس، وعكرمة أيضا : لا إله إلا اللّه، وقيل : ما يوافق ظاهره باطنه وقيل : ما هو إصلاح من تسديد السهم ليصيب الغرض وقيل : السديد يعم الخيرات. ورتب على القول السديد : صلاح الأعمال وغفران الذنوب. قال الزمخشري :
وهذه الآية مقررة للتي قبلها. بنيت تلك على النهي عما يؤدي به رسول اللّه وهذه على الأمر باتقاء اللّه في حفظ اللسان، ليترادف عليهم النهي والأمر، مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى، واتباع الأمر الوعد البليغ، فيقوي الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه. انتهى، وهو كلام حسن.
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ : لما أرشد المؤمنين إلى ما أرشد من ترك الأذى واتقاء اللّه وسداد القول، ورتب على الطاعة ما رتب، بيّن أن ما كلفه الإنسان أمر عظيم، فقال : إِنَّا