البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٢٧
الزمخشري : بدلا عن قولهم ولد اللّه، وقد قرأ بها حمزة والأعمش، وهذه القراءة، وإن كان هذا محملها، فهي ضعيفة والذي أضعفها أن الإنكار قد اكتنف هذه الجملة من جانبيها، وذلك قوله : وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ، ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. فمن جعلها للإثبات فقد أوقعها دخيلة بين سببين، وليست دخيلة بين نسيبين، بل لها مناسبة ظاهرة مع قولهم ولد اللّه. وأما قوله : وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ، فهي جملة اعتراض بين مقالتي الكفر، جاءت للتشديد والتأكيد في كون مقالتهم تلك هي من إفكهم. ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ : تقريع وتوبيخ واستفهام عن البرهان والحجة. وقرأ طلحة بن مصرف : تذكرون، بسكون الذال وضم الكاف. أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ : أي حجة نزلت عليكم من السماء، وخبر بأن الملائكة بنات اللّه. فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ
، الذي أنزل عليكم بذلك، كقوله : أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً «١»، فهو يتكلم بما كانوا به يشركون.
وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ، سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ، ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ، إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ، وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ، وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ، لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ، لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ، فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ، وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ، أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ، فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ، وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ، وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ، سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
الظاهر أن الجنة هم الشياطين، وعن الكفار في ذلك مقالات شنيعة. منها أنه تعالى صاهر سروات الجن، فولد منهم الملائكة، وهم فرقة من بني مدلج، وشافه بذلك بعض الكفار أبا بكر الصديق. وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ : أي الشياطين، أنها محضرة أمر اللّه من ثواب وعقاب، قاله ابن عطية. وقال الزمخشري : إذا فسرت الجنة بالشياطين، فيجوز أن يكون الضمير في إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ لهم. والمعنى أن الشياطين عالمون أن اللّه يحضرهم النار ويعذبهم، ولو كانوا مناسبين له، أو شركاء في وجوب الطاعة، لما عذبهم.
وقيل : الضمير في وَجَعَلُوا لفرقة من كفار قريش والعرب، والجنة : الملائكة، سموا بذلك لاجتنانهم وخفائهم. وقال الزمخشري : وإنما ذكرهم بهذا الاسم وضعا منهم