البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٤٩
الضحاك : إن تكلم كان أفصح مني، وإن حارب كان أبطش مني. وقال ابن عطية : كان أوجه مني وأقوى، فإذا خاطبته كان كلامه أقوى من كلامي، وقوته أعظم من قوتي. وقال الزمخشري : جاءني محجاج لم أقدر أن أورد عليه ما أرده به. وأراد بالخطاب : مخاطبة المحاج المجادل، أو أراد خطيب المرأة، وخطبها هو فخاطبني خطابا : أي غالبني في الخطبة، فغلبني حيث زوجها دوني وقيل : غلبني بسلطانه، لأنه لما سأله لم يستطع خلافه. قال الحافظ أبو بكر بن العربي : كان ببلادنا أمير يقال له سيري بن أبي بكر، فكلمته في أن يسأل لي رجلا حاجة، فقال لي : أما علمت أن طلب السلطان للحاجة غضب لها؟ فقلت : أما إذا كان عدلا فلا. وقرأ أبو حيوة، وطلحة : وعزني، بتخفيف الزاي. قال أبو الفتح : حذف الزاي الواحدة تخفيفا، كما قال أبو زبيد :
أحسن به فهز إليه شوس وروي كذلك عن عاصم. وقرأ عبيد اللّه، وأبو وائل، ومسروق، والضحاك، والحسن، وعبيد بن عمير : وعازني، بألف وتشديد الزاي : أي وغالبني. والظاهر إبقاء لفظ النعجة على حقيقتها من كونها أنثى الضأن، ولا يكنى بها عن المرأة، ولا ضرورة تدعو إلى ذلك لأن ذلك الإخبار كان صادرا من الملائكة، على سبيل التصوير للمسألة والفرض لها مرة غير تلبس بشيء منها، فمثلوا بقصة رجل له نعجة، ولخليطه تسع وتسعون، فأراد صاحبه تتمة المائة، فطمع في نعجة خليطة، وأراد انتزاعها منه وحاجه في ذلك محاجة حريص على بلوغ مراده، ويدل على ذلك قوله : وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ، وهذا التصوير والتمثيل أبلغ في المقصود وأدل على المراد.
قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ : ليس هذا ابتداء من داود، عليه السلام، إثر فراغ لفظ المدعي، ولا فتيا بظاهر كلامه قبل ظهور ما يجب، فقيل ذلك على تقدير، أي لئن كان ما تقول، لَقَدْ ظَلَمَكَ. وقيل : ثم محذوف، أي فأقر المدعى عليه فقال : لَقَدْ ظَلَمَكَ، ولكنه لم يحك في القرآن اعتراف المدّعى عليه، لأنه معلوم من الشرائع كلها، إذ لا يحكم الحاكم إلا بعد إجابة المدّعى عليه. فأما ما قاله الحليمي من أنه رأى في المدّعي مخايل الضعف والهضيمة، فحمل أمره على أنه مظلوم، كما تقول، فدعاه ذلك إلى أن لا يسأل المدعى عليه، فاستعجل بقوله : لَقَدْ ظَلَمَكَ، فقوله ضعيف لا يعول عليه. وروي أن داود، عليه السلام، لما سمع كلام الشاكي قال للآخر : ما تقول؟
فأقر فقال له : لئن لم ترجع إلى الحق لأكسرن الذي فيه عيناك، وقال للثاني : لَقَدْ