البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٥٣
والرجوع إلى جزائه، ثم ذكر ما بين المؤمن، عامل الصالحات، والمفسد من التباين، وأنهما ليسا سيين، وقابل الصلاح بالفساد، والتقوى بالفجور. قال ابن عباس : هي عامة في جميع المسلمين والكافرين. وقيل في قوم من مشركي قريش قالوا : نحن لنا في الآخرة أعظم مما لنا في الدنيا، فأنزل اللّه هذه الآية. وقيل في جماعة من المؤمنين والكافرين معينين بارزوا يوم بدر عليا وحمزة وعبيدة بن الحارث، رضي اللّه عنهم، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة ووصف كلا بما ناسبه. والاستفهام بأم في الموضعين استفهام إنكار، والمعنى : أنه لا يستوي عند اللّه من أصلح ومن أفسد، ولا من اتقى ومن فجر، وكيف تكون التسوية بين من أطاع ومن عصى؟ إذن كان يبطل الجزاء، والجزاء لا محالة واقع، والتسوية منتفية.
ولما انتفت التسوية، بين ما تصلح به لمتبعه السعادة الأبدية، وهو كتاب اللّه تعالى، فقال : كِتابٌ أَنْزَلْناهُ، وارتفاعه على إضمار متبدأ، أي هذا كتاب. وقرأ الجمهور :
مُبارَكٌ، على الصفة. وقرىء : مباركا، على الحال اللازمة، أي هذا كتاب. وقرأ الجمهور : لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ، بياء الغيبة وشد الدال، وأصله ليتدبروا. وقرأ عليّ بهذا الأصل. وقرأ أبو جعفر : بتاء الخطاب وتخفيف الدال وجاء كذلك عن عاصم والكسائي بخلاف عنهما، والأصل : لتتدبروا بتاءين، فحذفت إحداهما على الخلاف الذي فيها، أهي تاء المضارعة أم التاء التي تليها؟ واللام في ليدبروا لام كي، وأسند التدبر في الجميع، وهو التفكر في الآيات، والتأمل الذي يفضي بصاحبه إلى النظر في عواقب الأشياء. وأسند التذكر إلى أولي العقول، لأن ذا العقل فيه ما يهديه إلى الحق وهو عقله، فلا يحتاج إلا إلى ما يذكره فيتذكر، والمخصوص بالمدح محذوف، التقدير : نِعْمَ الْعَبْدُ هو، أي سليمان. وقرىء : نعم على الأصل، كما قال :
نعم الساعون في القوم الشطر أثنى تعالى عليه لكثرة رجوعه إليه، أو لكثرة تسبيحه. إِذْ عُرِضَ، الناصب لإذ، قيل : أَوَّابٌ، وقيل : اذكر على الاختلاف في تأويل هذه الآية. قال الجمهور : عرضت عليه آلاف من الخيل تركها أبوه له، وقيل : ألف واحد، فأجريت بين يديه عشيا، فتشاغل بحسنها وجريها ومحبتها عن ذكر له، فقال : ردوها عليّ. فطفق يضرب أعناقها وعراقيبها بالسيف لما كانت سبب الذهول عن ذلك الذكر، فأبدله اللّه أسرع منها الريح. وقال قوم،


الصفحة التالية
Icon