البحر المحيط، ج ٩، ص : ١٥٥
بمحذوف تقديره : قال ردوها عليّ، فأضمروا ضمير ما هو جواب له، كأن قائلا قال : فماذا قال سليمان؟ لأنه موضع مقتض للسؤال اقتضاء ظاهرا. ثم ذكر الزمخشري لفظا فيه غض من النبوة فتركته. وما ذهب إليه من هذا الإضمار لا يحتاج إليه، إذ الجملة مندرجة تحت حكاية القول وهو : فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ. فهذه الجملة وجملة رُدُّوها عَلَيَّ محكيتان بقال، وطفق من أفعال المقاربة للشروع في الفعل، وحذف غيرها لدلالة المصدر عليه، أي فطفق يمسح مسحا. وقرأ الجمهور : مَسْحاً : وزيد بن علي : مساحا، على وزن قتال، والباء في بِالسُّوقِ زائدة، كهي في قوله : فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ «١».
وحكى سيبويه : مسحت برأسه ورأسه بمعنى واحد، وتقدم الكلام على ذلك في المائدة.
وقرأ الجمهور : بِالسُّوقِ، بغير همز على وزن فعل، وهو جمع ساق، على وزن فعل بفتح العين، كأسد وأسد وابن كثير بالهمز، قال أبو علي : وهي ضعيفة، لكن وجهها في القياس أن الضمة لما كانت تلي الواو وقدر أنها عليها فهمزت، كما يفعلون بالواو المضمومة. ووجه همز السوق من السماع أن أبا حبة النميري كان يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة، وكان ينشد :
حب المؤقدين إلى مؤسى انتهى. وليست ضعيفة، لأن الساق فيه الهمزة، ووزن فعل بسكون العين، فجاءت هذه القراءة على هذه اللغة. وقرأ ابن محيصن : بهمزة بعدها الواو، رواهما بكار عن قنبل. وقرأ زيد بن علي : بالساق مفردا، اكتفى به عن الجمع لأمن اللبس. ومن غريب القول أن الضمير في ردوها عائد على الشمس، وقد اختلفوا في عدد هذه الخيل على أقوال متكاذبة، سودوا الورق بذكرها.
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً : نقل المفسرون في هذه الفتنة وإلقاء الجسد أقوالا يجب براءة الأنبياء منها، يوقف عليها في كتبهم، وهي مما لا يحل نقلها، وأما هي من أوضاع اليهود والزنادقة، ولم يبين اللّه الفتنة ما هي، ولا الجسد الذي ألقاه على كرسي سليمان. وأقرب ما قيل فيه : أن المراد بالفتنة كونه لم يستثن
في الحديث الذي قال :«لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة، كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل اللّه، ولم يقل إن شاء اللّه، فطاف عليهن، فلم تحمل إلا امرأة واحدة، وجاءته بشق رجل»
. قال

(١) سورة النساء : ٤/ ٤٣، وسورة المائدة : ٥/ ٦. [.....]


الصفحة التالية
Icon