البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٢٤
أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ، قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ، وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ، وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ، وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
ولما ذكر أشياء من أحوال يوم القيامة على سبيل الإجمال، بين بعد كيفية أحوال الفريقين وما أفضى إليه كل واحد منهما فقال : وَسِيقَ، والسوق يقتضي الحث على المسير بعنف، وهو الغالب فيه. وجواب إذا : فُتِحَتْ أَبْوابُها، ودل ذلك على أنه لا يفتح إلا إذا جاءت كسائر أبواب السجون، فإنها لا تزال مغلقة حتى يأتي أصحاب الجرائم الذين يسجنون فيها فيفتح ثم يغلق عليهم. وتقدم ذكر قراءة التخفيف والتشديد في فتحت وأبوابها سبعة، كما ذكر في سورة الحجر. وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها، على سبيل التقريع والتوبيخ، أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ : أي من جنسكم، تفهمون ما ينبئونكم به، وسهل عليكم مراجعتهم. وقرأ ابن هرمز : تأتكم بتاء التأنيث والجمهور : بالياء. يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ : أيالكتب المنزلة للتبشير والنذارة، وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا : وهو يوم القيامة، وما يلقى فيه المسمى من العذاب، قالُوا بَلى : أي قد جاءتنا، وتلوا وأنذروا، وهذا اعتراف بقيام الحجة عليهم، وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ أي قوله تعالى :
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ «١». عَلَى الْكافِرِينَ : وضع الظاهر موضع المضمر، أي علينا، صرحوا بالوصف الموجب لهم العقاب.
ولما فرغت محاورتهم مع الملائكة، أمروا بدخول النار.
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً : عبر عن الإسراع بهم إلى الجنة مكرمين بالسوق، والمسوق دوابهم، لأنهم لا يذهبون إليها إلا راكبين. ولمقابلة قسيمهم ساغ لفظ السوق، إذ لو لم يتقدم لفظ وسيق لعبر بأسرع، وإذا شرطية وجوابها قال الكوفيون : وفتحت، والواو زائدة وقال غيره محذوف. قال الزمخشري : وإنما حذف لأنه في صفة ثواب أهل الجنة، فدل على أنه شيء لا يحيط به الوصف، وحق موقعه ما بعد

(١) سورة الأعراف : ٧/ ١٨.


الصفحة التالية
Icon