البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٣٣
وكل من جعلوه شريكا للّه. وأضيف الشركاء إليهم لأنهم متخذوها شركاء للّه، فتارة تضاف إليهم بهذه الملابسة، وتارة إلى اللّه. والضمير في شرعوا يحتمل أن يعود على الشركاء، ولهم عائد على الكفار، لما كانت سببا لضلالهم وافتتانهم جعلت شارعة لدين الكفر، كما قال إبراهيم عليه السلام : رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ «١». واحتمل أن يعود على الكفار، ولهم عائد على الشركاء، أي شرع الكفار لأصنامهم ومعبوداتهم، أي رسموا لهم غواية وأحكاما في المعتقدات، كقولهم : إنهم آلهة، وإن عبادتهم تقربهم إلى اللّه ومن الأحكام البحيرة والوصيلة والحامي وغير ذلك. وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ : أي العدة بأن الفصل في الآخرة، أو لو لا القضاء بذلك لقضي بين المؤمن والكافر، أو بين المشركين وشركائهم. وقرأ الجمهور : وإِنَّ الظَّالِمِينَ، بكسر الهمزة على الاستئناف والإخبار، بما ينالهم في الدنيا من القتل والأسر والنهب، وفي الآخرة النار. وقرأ الأعرج، ومسلم بن جندب : وأن بفتح الهمزة عطفا على كلمة الفصل، فهو في موضع رفع، أي ولو لا كلمة الفصل وكون الظالمين لهم عذاب في الآخرة، لقضي بينهم في الدنيا وفصل بين المتعاطفين بجواب لو لا، كما فصل في قوله : وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى «٢».
تَرَى الظَّالِمِينَ : أي تبصر الكافرين لمقابلته بالمؤمنين، مُشْفِقِينَ : خائفين الخوف الشديد، مِمَّا كَسَبُوا من السيئات، وَهُوَ : أي العذاب، أو يعود على ما كسبوا على حذف مضاف : أي وبال كسبوا من السيئات، أو جزاؤه حال بهم، وَهُوَ واقِعٌ : فإشفاقهم هو في هذه الحال، فليسوا كالمؤمنين الذين هم في الدنيا مشفقون من الساعة. ولما كانت الروضات أحسن ما في الجنات وأنزهها وفي أعلاها، ذكر أن المؤمنين فيها. واللغة الكثيرة تسكين الواو في روضات، ولغة هذيل بن مدركة فتح الواو إجراء للمعتل مجرى الصحيح نحو جفنات، ولم يقرأ أحد ممن علمناه بلغتهم. وعند ظرف، قال الحوفي : معمول ليشاءون. وقال الزمخشري : منصوب بالظرف لا يشاءون. انتهى، وهو الصواب. ويعني بالظرف : الجار والمجرور، وهو لهم في الحقيقة غير معمول للعامل في لهم، والمعنى : ما يشاءون من النعيم والثواب، مستقر لهم. عِنْدَ رَبِّهِمْ : والعندية عندية المكانة والتشريف، لا عندية المكان.

(١) سورة إبراهيم : ١٤/ ٣٦.
(٢) سورة طه : ٢٠/ ١٢٩.


الصفحة التالية
Icon