البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٣٦
أن يختم على قبلك فلا تعقل ولا تنطق ولا يستمر افتراؤك؟ فمقصد اللفظ هذا المعنى، وحذف ما يدل عليه الظاهر اختصارا واقتصارا. انتهى. هكذا أورد هذا التأويل عن قتادة ابن عطية، وفي الفاظة فظاظة لا تليق أن تنسب للأنبياء. وقال الزمخشري : عن قتادة : ينسيك القرآن وينقطع عنك الوحي، يعني لو افترى على اللّه الكذب لفعل به ذلك. انتهى. وقال الزمخشري أيضا : فإن يشأ اللّه يجعلك من المختوم على قلوبهم حتى تفتري عليه الكذب، فإنه لا يجترىء على افتراء الكذب على اللّه إلا من كان في مثل حالهم، وهذا الأسلوب مؤداه استبعاد الافتراء من مثله، وأنه في البعد مثل الشرك باللّه والدخول في جملة المختوم على قلوبهم. ومثال هذا أن يخون بعض الأمناء فيقول : لعل اللّه خذلني، لعل اللّه أعمى قلبي، وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب، وإنما يريد استبعاد أن يخون مثله، والتنبيه على أنه ركب من تخوينه أمر عظيم.
ثم قال : ومن عادة اللّه أن يمحو الباطل ويثبت الحق بوحيه أو بقضائه لقوله : بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ «١»، يعني : لو كان مفتريا، كما يزعمون، لكشف اللّه افتراءه ومحقه، وقذف بالحق على الباطل فدمغه. انتهى. وقيل : المعنى لو افتريت على اللّه، لطبع على قلبك حتى لا تقدر على حفظ القرآن. وقيل : لختم على قلبك بالصدق واليقين، وقد فعل ذلك. وذكر القشيري أن المعنى : يختم على قلوب الكفار وعلى ألسنتهم ويعاجلهم بالعذاب. انتهى، فيكون التفاتا من الغيبة إلى الخطاب، ومن الجمع إلى الإفراد، أي يختم على قلبك أيها القائل أنه افترى على اللّه كذبا. وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ : استئناف إخبار، أي يمحوه. إما في الدنيا وإما في الآخرة حيث نازله. وكتب ويمح بغير واو، كما كتبوا سندع بغير واو، اعتبارا بعدم ظهورها، لأنه لا يوقف عليها وقف اختيار. ولما سقطت من اللفظ سقطت من الخط. وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون عدة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بأن يمحو الباطل الذي هم عليه من البهت والتكذيب، ويثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن وبقضائه الذي لا مرد له من نصرتك عليهم. إن اللّه عليم بما في صدرك وصدورهم، فيجري الأمر على حسب ذلك. انتهى. قيل : ويحق الإسلام بكلماته، أي بما أنزل من القرآن.
وتقدم الكلام في شرائط التوبة، يقال : قبلت منه الشيء بمعنى : أخذته منه، لقوله :
وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ «٢»، أي تؤخذ، أي جعلته مبدأ قبولي ومنشأه، وقبلته
(٢) سورة التوبة : ٩/ ٥٤.