البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٤٦
فكان المسبوب يكظم ويعرق ويمسح العرق، ثم قام فتلا الآية، فقال الحسن : عقلها واللّه وفهمها، لم هذه ضيعها الجاهلون. والجملة من قوله : إِنَّمَا السَّبِيلُ اعتراض بين قوله :
وَلَمَنِ انْتَصَرَ، وقوله : وَلَمَنْ صَبَرَ.
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ : أي من ناصر يتولاه من بعده، أي من بعد إضلاله، وهذا تحقير لأمر الكفرة. وَتَرَى الظَّالِمِينَ : الخطاب للرسول، والمعنى :
وترى حالهم وما هم فيه من الحيرة، لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ، يقولون : هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ : هل سبيل إلى الردّ للدنيا؟ وذلك من فظيع ما اطلعوا عليه، وسوء ما يحل بهم.
وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها : أي على النار، دل عليها ذكر العذاب، خاشِعِينَ متضائلين صاغرين مما يلحقهم. مِنَ الذُّلِّ. وقرأ طلحة : من الذل، بكسر الذال والجمهور بالضم، والخشوع : الاستكانة، وهو محمود. وإنما أخرجه إلى الذم اقترانه بالعذاب.
وقيل : مِنَ الذُّلِّ متعلق ب يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ. قال ابن عباس : ذليل. انتهى.
قيل : ووصف بالخفاء لأن نظرهم ضعيف ولحظهم نهاية، قال الشاعر :
فغض الطرف إنك من نمير وقيل : يحشرون عميا. ولما كان نظرهم بعيون قلوبهم، جعله طرفا خفيا، أي لا يبدو نظرهم، وهذا التأويل فيه تكلف. وقال السدي، وقتادة : المعنى يسارقون النظر لما كانوا فيه من الهمّ وسوء الحال، لا يستطيعون النظر بجميع العين، وإنما ينظرون من بعضها، فيجوز على هذا التأويل أن يكون الطرف مصدرا، أي من نظر خفي. وقال الزمخشري :
مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ، أي يبتدىء نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف خفي بمسارقة، كما ترى المصور ينظر إلى السيف، وهكذا نظر الناظر إلى المكاره، ولا يقدر أن يفتح أجفانه عليها ويملأ عينه منها، كما يفعل في نظره إلى المتحاب.
وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ، وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ، اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ، فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ، لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ، أَوْ