البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٠٢
حذف الشرط وإبقاء جوابه، وهو لا يجوز إلا لدليل واضح كأن يتقدمه الأمر وما أشبهه مما ذكر في النحو، على خلاف في ذلك. إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ : أي يتبعكم فرعون وجنوده، فتنجون ويغرق المتبعون. وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً : قال ابن عباس : ساكنا كما أجراه. وقال مجاهد وعكرمة : يبسا من قوله : فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً «١». وقال الضحاك :
دمثا لينا. وقال عكرمة : جددا. وقال ابن زيد : سهلا. وقال مجاهد أيضا : منفردا. قال قتادة : أراد موسى أن يضرب البحر بعصاه، لما قطعه، حتى يلتئم وخاف أن يتبعه فرعون، فقيل : لمه هذا؟ إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ : أي فيه، لأنهم إذا رأوه ساكنا على حالته حين دخل فيه موسى وبنوا إسرائيل، أو مفتوحا طريقا يبسا، دخلوا فيه، فيطبقه اللّه عليهم.
كَمْ تَرَكُوا : أي كثيرا تركوا. مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ : تقدم تفسيرهما في الشعراء.
وقرأ الجمهور : وَمَقامٍ، بفتح الميم. قال ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير : أراد المقام. وقرأ ابن هرمز، وقتادة، وابن السميفع، ونافع : في رواية خارجة بضمها. قال قتادة : أراد المواضع الحسان من المجالس والمساكن وغيرها. وَنَعْمَةٍ، بفتح النون :
نضارة العيش ولذاذة الحياة. وقرأ أبو رجاء : وَنَعْمَةٍ، بالنصب، عطفا على كم كانُوا فِيها فاكِهِينَ. قرأ الجمهور : بألف، أي طيبي الأنفس وأصحاب فاكهة، كلابن، وتامر، وأبو رجاء، والحسن : بغير ألف. والفكه يستعمل كثيرا في المستخف المستهزئ، فكأنهم كانوا مستخفين بشكل النعمة التي كانوا فيها. وقال الجوهري : فكه الرجل، بالكسر، فهو فكه إذا كان مزاحا، والفكه أيضا الأشر. وقال القشيري : فاكهين : لاهين كذلك. وقال الزجاج : والمعنى : الأمر كذلك، فيوقف على كذلك والكاف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف وقيل : الكاف في موضع نصب، أي يفعل فعلا كذلك، لمن يريد إهلاكه. وقال الكلبي : كذلك أفعل بمن عصاني. وقال الحوفي : أهلكنا إهلاكا، وانتقمنا انتقاما كذلك.
وقال الزمخشري : الكاف منصوبة على معنى : مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها، وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ ليسوا منهم، وهم بنوا إسرائيل. كانوا مستعبدين في يد القبط، فأهلك اللّه تعالى القبط على أيديهم وأورثهم ملكهم. وقال قتادة، وقال الحسن : إن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون، وضعف قول قتادة بأنه لم يرو في مشهور التواريخ أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر في شيء من ذلك الزمان، ولا ملكوها قط إلا أن يريد قتادة أنهم ورثوا نوعها في بلاد الشام. انتهى. ولا اعتبار بالتواريخ، فالكذب فيها