البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٠٥
معناها معنى على في قوله : عَلَى الْعالَمِينَ، ولذلك تعلقا بفعل واحد لما اختلف المدلول، كقوله :
ويوما على ظهر الكتيب تعذرت عليّ وآلت حلفة لم يحلل
فعلى علم : حال، إما من الفاعل، أو من المفعول. وعلى ظهر : حال من الفاعل في تعذرت، والعامل في ذي الحال. وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ : أي المعجزات الظاهرة في قوم فرعون، وما ابتلوا به وفي بني إسرائيل مما أنعم به عليهم من تظليل الغمام والمنّ والسلوى، وغير ذلك مما لم يظهرها لغيرهم. ما فِيهِ بَلؤُا : أي اختبار بالنعم ظاهر، أو الابتلاء بالنعم كقوله : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ «١». إِنَّ هؤُلاءِ : يعني قريشا، وفي اسم الإشارة تحقير لهم. لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى : أي ما الموتة إلا محصورة في موتتنا الأولى. وكان قد قال تعالى : وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ «٢»، فذكر موتتين، أولى وثانية، فأنكروا هم أن يكون لهم موتة ثانية. والمعنى : ما آخر أمرنا ومنتهى وجودنا إلا عند موتتنا. فيتضمن قولهم هذا إنكار البعث، ثم صرحوا بما تضمنه قولهم، فقالوا : وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ : أي بمبعوثين بحياة دائمة يقع فيها حساب وثواب وعقاب وكان قولهم ذلك في معنى قولهم : إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ «٣».
فَأْتُوا بِآبائِنا : خطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وللمؤمنين الذين كانوا يعدونهم بالبعث، أي إن صدقتم فيما تقولون، فأحيوا لنا من مات من أبنائنا، بسؤالكم ربكم، حتى يكون ذلك دليلا على البعث في الآخرة. قيل : طلبوا من الرسول أن يدعوا اللّه فيحيي لهم قصي بن كلاب، ليشاوروه في صحة النبوة والبعث، إذ كان كبيرهم ومشاورهم في النوازل.
أَهُمْ : أي قريش، خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ؟ الظاهر أن تبعا هو شخص معروف، وقع التفاضل بين قومه وقوم الرسول عليه الصلاة والسلام. وإن كان لفظ تبع يطلق على كل من ملك العرب، كما يطلق كسرى على من ملك الفرس، وقيصر على من ملك الروم قيل :
واسمه أسعد الحميري، وكني أبا كرب وذكر أبو حاتم الرياشي أنه آمن بالنبي صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة. وروي أنه لما آمن بالمدينة، كتب كتابا ونظم شعرا. أما الشعر فهو :
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢٨.
(٣) سورة الأنعام : ٦/ ٢٩.