البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٧٣
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ : أي يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر ووعيد العصاة، وهو استفهام توبيخي وتوقيفي على محاربهم. أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها : استعارة للذين منهم الإيمان، وأم منقطعة بمعنى بل، والهمزة للتقرير، ولا يستحيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يصل إليها ذكر، ولم يحتج إلى تعريف القلوب، لأنه معلوم أنها قلوب من ذكر. ولا حاجة إلى تقدير صفة محذوف، أي أم على قلوب أقفالها قاسية. وأضاف الأقفال إليها، أي الأقفال المختصة، أو هي أقفال الكفر التي استغلقت، فلا تفتح. وقرىء : إقفالها، بكسر الهمزة، وهو مصدر، وأقفلها بالجمع على أفعل. إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى قال قتادة : نزلت في قوم من اليهود، وكانوا عرفوا أمر الرسول من التوراة. وتبين لهم بهذا الوجه فلما باشروا أمره حسدوه، فارتدوا عن ذلك القدر من الهدى. وقال ابن عباس وغيره : نزلت في منافقين كانوا أسلموا، ثم ماتت قلوبهم. والآية تتناول كل من دخل في ضمن لفظها.
وتقدم الكلام على سَوَّلَ في سورة يوسف. وقال الزمخشري : سول لهم ركوب العظائم، من السول، وهو الاسترخاء، وقد اشتقه من السؤل من لا علم له بالتصريف والاشتقاق جميعا. انتهى. وقال أبو علي الفارسي : بمعنى ولا هم من السول، وهو الاسترخاء والتدلي. وقال غيره : سولهم : زجاهم. وقال ابن بحر : أعطاهم سؤلهم. وقول الزمخشري، وقد اشتقه إلى آخره، ليس بجيد، لأنه توهم أن السول أصله الهمزة.
واختلف المادتان، أو عين سول واو، وعين السؤل همزة والسول له مادتان : إحداهما الهمز، من سأل يسئل والثانية الواو، من سال يسال. فإذا كان هكذا، فسول يجوز أن يكون من ذوات الهمز. وقال صاحب اللوامح : والتسويل أصله من الإرخاء، ومنه :
فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ «١». والسول : استرخاء البطن. وقرأ زيد بن علي : سَوَّلَ لَهُمْ : أي كيده على تقدير حذف مضاف. وقرأ الجمهور : وَأَمْلى لَهُمْ مبنيا للفاعل، والظاهر أنه يعود على الشيطان، وقاله الحسن، وجعل وعده الكاذب بالبقاء، كالإبقاء. والإبقاء هو البقاء ملاوة من الدهر يمد لهم في الآمال والأماني. قيل : ويحتمل أن يكون فاعل أملى ضميرا يعود على اللّه، وهو الأرجح، لأن حقيقة الإملاء إنما هو من اللّه. وقرأ ابن سيرين، والجحدري، وشيبة، وأبو عمرو، وعيسى : وأملى مبنيا للمفعول، أي أمهلوا ومدوا في عمرهم. وقرأ مجاهد، وابن هرمز، والأعمش، وسلام، ويعقوب : وأملي بهمزة المتكلم

(١) سورة الأعراف : ٧/ ٢٢.


الصفحة التالية
Icon