البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٧٧
أخبر أولا بقوله : أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ، فهو إخبار بمغيب أبرزه الوجود، ثم ارتقى إلى رتبة أعلى من التي قبلها، وهي كون اللّه تعالى معهم. وَلَنْ يَتِرَكُمْ، قال ابن عباس : ولن يظلمكم وقيل : لن يعريكم من ثواب أعمالكم وقيل : ولين ينقصكم. وقال الزمخشري، وقال أبو عبيد : وَلَنْ يَتِرَكُمْ : من وترت الرجل، إذا قتلت له قتيلا من ولد أو أخ أو حميم أو قريب قال : أو ذهبت بماله قال : أو حربته، وحقيقته أفردته من قريبه أو ماله من الوتر وهو الفرد. فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر، وهو من فصيح الكلام، ومنه
قوله عليه الصلاة والسلام :«من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله»
، أي أفرد عنهما قتلا ونهبا.
إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ : وهو تحقير لأثر الدنيا، أي فلا تهنوا في الجهاد.
وأخبر عنها بذلك، باعتبار ما يختص بها من ذلك وأما ما فيها من الطاعة وأمر الآخرة فليس بذلك. يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ : أي ثواب أعمالكم من الإيمان والتقوى، وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ. قال سفيان بن عيينة : أي كثيرا من أموالكم، إنما يسألكم ربع العشر، فطيبوا أنفسكم. وقيل : لا حاجة إليها، بل يرجع ثواب إنفاقكم إليكم. وقيل : إنما يسألكم أمواله، لأنه هو المالك لها حقيقة، وهو المنعم بإعطائها. وقيل : الضمير في يسألكم للرسول، أي لا يسألكم أجرا على تبليغ الرسالة، كما قال : قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ «١».
إِنْ يَسْئَلْكُمُوها جميعا فَيُحْفِكُمْ : أي يبالغ في الإلحاح. تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ : أي تطعنون على الرسول وتضيق صدوركم كذلك، وتخفون دينا يذهب بأموالكم. وقرأ الجمهور : ويخرج أضغانكم جزما على جواب الشرط، والفعل مسند إلى اللّه، أو إلى الرسول، أو إلى البخل. وقرأ عبد الوارث، عن أبي عمرو : ويخرج، بالرفع على الاستئناف بمعنى : وهو يخرج. وحكاها أبو حاتم، عن عيسى وفي اللوامح عن عبد الوارث، عن أبي عمرو : وتخرج، بالتاء وفتحها وضم الراء والجيم أضغانكم :
بالرفع، بمعنى : وهو يخرج أو سيخرج أضغانكم، رفع بفعله. وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وابن سيرين، وابن محيصن، وأيوب بن المتوكل، واليماني : وتخرج، بتاء التأنيث مفتوحة أضغانكم : رفع به ويعقوب : ونخرج، بالنون أضغانكم : رفعا، وهي مروية

(١) سورة ص : ٣٨/ ٨٦.


الصفحة التالية
Icon