البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٩٣
بالفتح القريب. والسكينة تقرير قلوبهم وتذليلها لقبول أمر اللّه تعالى، وعلى الأقوال السابقة قيل هذا القول، لا يظهر احتياج إلى إنزال السكينة إلا أن يجازي بالسكينة والفتح القريب والمغانم. وقال مقاتل : فعلم ما في قلوبهم من كراهة البيعة على أن يقاتلوا معه على الموت، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ حتى بايعوا. قال ابن عطية : وهذا فيه مذمة للصحابة، رضي اللّه تعالى عنهم. انتهى.
وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً قال قتادة، وابن أبي ليلى : فتح خيبر، وكان عقب انصرافهم من مكة. وقال الحسن : فتح هجر، وهو أجل فتح اتسعوا بثمرها زمنا طويلا. وقيل : فتح مكة والقرب أمر نسبي، لكن فتح خيبر كان أقرب. وقرأ الحسن، ونوح القارئ : وآتاهم، أي أعطاهم والجمهور : وأثابهم من الثواب. وَمَغانِمَ كَثِيرَةً : أي مغانم خيبر، وكانت أرضا ذات عقار وأموال، فقسمها عليهم. وقيل : مغانم هجر. وقيل : مغانم فارس والروم. وقرأ الجمهور : يأخذونها بالياء على الغيبة في وأثابهم، وما قبله من ضمير الغيبة.
وقرأ الأعمش، وطلحة، ورويس عن يعقوب، ودلبة عن يونس عن ورش، وأبو دحية، وسقلاب عن نافع، والأنطاكي عن أبي جعفر : بالتاء على الخطاب. كما جاء بعد وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً بالخطاب. وهذه المغانم الموعود بها هي المغانم التي كانت بعد هذه، وتكون إلى يوم القيامة، قاله ابن عباس ومجاهد وجمهور المفسرين.
ولقد اتسع نطاق الإسلام، وفتح المسلمون فتوحا لا تحصى، وغنموا مغانم لا تعد، وذلك في شرق البلاد وغربها، حتى في بلاد الهند، وفي بلاد السودان في عصرنا هذا.
وقدم علينا حاجا أحد ملوك غانة من بلاد التكرور، وذكر عنه أنه استفتح أزيد من خمسة وعشرين مملكة من بلاد السودان، وأسلموا، وقدم علينا ببعض ملوكهم يحج معه. وقيل :
الخطاب لأهل البيعة، وأنهم سيغنمون مغانم كثيرة. وقال زيد بن أسلم وابنه : المغانم الكثيرة مغانم خيبر فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ : الإشارة بهذه إلى البيعة والتخلص من أمر قريش بالصلح، قاله ابن عباس وزيد بن أسلم وابنه. وقال مجاهد : مغانم خيبر.
وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ : أي أهل مكة بالصلح. وقال ابن عباس عيينة بن حصن الفزاري، وعوف بن مالك النضري، ومن كان معهم : إذ جاءوا لينصروا أهل خيبر، والرسول عليه الصلاة والسلام محاصر لهم، فجعل اللّه في قلوبهم الرعب وكفهم عن المسلمين. وقال ابن عباس أيضا : أسد وغطفان حلفاء خيبر. وقال الطبري : كف اليهود عن المدينة بعد خروج الرسول صلى اللّه عليه وسلم إلى الحديبية وإلى خيبر. وَلِتَكُونَ : أي هذه الكفة


الصفحة التالية
Icon