البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٩٨
وقيل : من اليهود والنصارى، وهذه الأحقية هي في الدنيا. وقيل : أحق بها في علم اللّه تعالى. وقيل : وَأَهْلَها في الآخرة بالثواب. وقيل : الضمير في وكانوا عائد على كفار مكة لأنهم أهل حرم اللّه، ومنهم رسوله لو لا ما سلبوا من التوفيق.
وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً، إشارة إلى علمه تعالى بالمؤمنين ورفع الكفار عنهم، وإلى علمه بصلح الكفار في الحديبية، إذ كان سببا لامتزاج العرب وإسلام كثير منهم، وعلو كلمة الإسلام وكانوا عام الحديبية ألفا وأربعمائة، وبعده بعامين ساروا إلى مكة بعشرة آلاف.
وقال أبو عبد اللّه الرازي : في هذه الآية لطائف معنوية، وهو أنه تعالى أبان غاية البون بين الكافر والمؤمن. باين بين الفاعلين، إذ فاعل جعل هو الكفار، وفاعل أنزل هو اللّه تعالى وبين المفعولين، إذ تلك حمية، وهذه سكينة وبين الإضافتين، أضاف الحمية إلى الجاهلية، وأضاف السكينة إلى اللّه تعالى. وبين الفعل جعل وأنزل فالحمية مجعولة في الحال في العرض الذي لا يبقى، والسكينة كالمحفوظة في خزانة الرحمة فأنزلها.
والحمية قبيحة مذمومة في نفسها وازدادت قبحا بالإضافة إلى الجاهلية، والسكينة حسنة في نفسها وازدادت حسنا بإضافتها إلى اللّه تعالى. والعطف في فأنزل بالفاء لا بالواو يدل على المقابلة، تقول : أكرمني فأكرمته، فدلت على المجازاة للمقابلة، ولذلك جعل فأنزل. ولما كان الرسول صلى اللّه عليه وسلم هو الذي أجاب أولا إلى الصلح، وكان المؤمنون عازمين على القتال، وأن لا يرجعوا إلى أهلهم إلا بعد فتح مكة أو النحر في المنحر، وأبوا إلا أن يكتبوا محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وباسم اللّه، قال تعالى : عَلى رَسُولِهِ. ولما سكن هو صلى اللّه عليه وسلم للصلح، سكن المؤمنون، فقال : وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ. ولما كان المؤمنون عند اللّه تعالى، ألزموا تلك الكلمة، قال تعالى : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ «١»، وفيه تلخيص، وهو كلام حسن.
قوله عز وجل :
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ

(١) سورة الحجرات : ٤٩/ ١٣.


الصفحة التالية
Icon