البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٠٠
ولما نزلت هذه الآية علم المسلمون أنهم يدخلونها فيما يستأنف، واطمأنت قلوبهم ودخلوها معه عليه الصلاة والسلام في ذي القعدة سنة سبع وذلك ثلاثة أيام هو وأصحابه، وصدقت رؤياه صلى اللّه عليه وسلم.
فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا : أي ما قدره من ظهور الإسلام في تلك المدة، ودخول الناس فيه، وما كان أيضا بمكة من المؤمنين الذين دفع اللّه بهم، قاله ابن عطية. وقال الزمخشري : فعلم ما لم تعلموا من الحكمة والصواب في تأخير فتح مكة إلى العام القابل.
انتهى. ولم يكن فتح مكة في العام القابل، إنما كان بعد ذلك بأكثر من عام، لأن الفتح إنما كان سنة ثمان من الهجرة. فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ : أي من قبل ذلك، أي من زمان دون ذلك الزمان الذي وعدوا فيه بالدخول. فتحا قريبا، قال كثير من الصحابة : هذا الفتح القريب هو بيعة الرضوان. وقال مجاهد وابن إسحاق : هو فتح الحديبية. وقال ابن زيد :
خيبر، وضعف قول من قال إنه فتح مكة، لأن فتح مكة لم يكن دون دخول الرسول صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه مكة، بل كان بعد ذلك.
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ : فيه تأكيد لصدق رؤياه صلى اللّه عليه وسلم، وتبشير بفتح مكة لقوله تعالى : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وتقدم الكلام على معظم هذه الآية. وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً على أن ما وعده كائن. وعن الحسن : شهيدا على نفسه أنه سيظهر دينك.
والظاهر أن قوله : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مبتدأ وخبر. وقيل : رسول اللّه صفة. وقال الزمخشري : عطف بيان، وَالَّذِينَ معطوف، والخبر عنه وعنهم أشداء. وأجاز الزمخشري أن يكون محمد خبر مبتدأ محذوف، أي هو محمد، لتقدم قوله : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ. وقرأ ابن عامر في رواية : رسوله اللّه بالنصب على المدح، والذين معه هم من شهد الحديبية، قاله ابن عباس. وقال الجمهور : جميع أصحابه أشداء، جمع شديد، كقوله : أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ «١». رُحَماءُ بَيْنَهُمْ، كقوله : أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ «٢»، وكقوله : وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ «٣»، وقوله : بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «٤». وقرأ الحسن : أشداء رحماء بنصبهما. قيل : على المدح، وقيل : على الحال، والعامل فيهما العامل في معه، ويكون الخبر عن المبتدأ المتقدم : تراهم. وقرأ يحيى بن يعمر : أشدا، بالقصر، وهي شاذة، لأن قصر الممدود إنما يكون في الشعر، نحو قوله :

(١) سورة المائدة : ٥/ ٥٤.
(٢) سورة المائدة : ٥/ ٥٤.
(٣) سورة التوبة : ٩/ ٧٣.
(٤) سورة التوبة : ٩/ ١٢٨. [.....]


الصفحة التالية
Icon