البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٣١
فجالت والتمست لها حشاها فخر كأنه خوط مريج
والأصل فيه الاضطراب والقلق. مرج الخاتم في أصبعي، إذا قلق من الهزال.
ويجوز أن يكون الأمر المريج، باعتبار انتقال أفكارهم فيما جاء به المنذر قائلا عدم قبولهم أول إنذاره إياهم، ثم العجب منهم، ثم استبعاد البعث الذي أنذر به، ثم التكذيب لما جاء به. أَفَلَمْ يَنْظُرُوا حين كفروا بالبعث وبما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وسلم إلى آثار قدرة اللّه تعالى في العالم العلوي والسفلي، كَيْفَ بَنَيْناها مرتفعة من غير عمد، وَزَيَّنَّاها بالنيرين وبالنجوم، وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ : أي من فتوق وسقوف، بل هي سليمة من كل خلل.
وَالْأَرْضَ مَدَدْناها : بسطناها، وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ، أي جبالا ثوابت تمنعها من التكفؤ، مِنْ كُلِّ زَوْجٍ : أي نوع، بَهِيجٍ : أي حسن المنظر بهيج، أي يسر من نظر إليه. وقرأ الجمهور : تَبْصِرَةً وَذِكْرى بالنصب، وهما منصوبان بفعل مضمر من لفظهما، أي بصر وذكر. وقيل : مفعول من أجله. وقرأ زيد بن علي : تبصرة بالرفع، وذكر معطوف عليه، أي ذلك الخلق على ذلك الوصف تبصرة، والمعنى : يتبصر بذلك ويتذكر، لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ : أي راجع إلى ربه مفكر في بدائع صنعه. ماءً مُبارَكاً : أي كثير المنفعة، وَحَبَّ الْحَصِيدِ : أي الحب الحصيد، فهو من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، كما يقوله البصريون، والحصيد : كل ما يحصد مما له حب، كالبر والشعير.
باسِقاتٍ : أي طوالا في العلو، وهو منصوب على الحال، وهي حال مقدرة، لأنها حالة الإنبات، لم تكن طوالا. وباسقات جمع. وَالنَّخْلَ اسم جنس، فيجوز أن يذكر، نحو قوله : نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ «١»، وأن يؤنث نحو قوله تعالى : نَخْلٍ خاوِيَةٍ «٢»، وأن يجمع باعتبار إفراده، ومنه باسقات، وقوله : وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ «٣». والجمهور : باسقات بالسين. وروى قطبة بن مالك،
عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، أنه قرأ : باصقات بالصاد
، وهي لغة لبني العنبر، يبدلون من السين صادا إذا وليتها، أو فصل بحرف أو حرفين، خاء أو عين أو قاف أو طاء. لَها طَلْعٌ : تقدم شرحه عند مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ «٤».
نَضِيدٌ : أي منضود بعضه فوق بعض، يريد كثرة الطلع وتراكمه، أي كثرة ما فيه من الثمر. وأول ظهور الثمر في الكفرى هو أبيض ينضد كحب الرمان، فما دام ملتصقا

(١) سورة القمر : ٥٤/ ٢٠.
(٢) سورة الحاقة : ٦٩/ ٧.
(٣) سورة الرعد : ١٣/ ١٢.
(٤) سورة الأنعام : ٦/ ٩٩.


الصفحة التالية
Icon