البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٣٥
مصدر نفخ، وأضاف اليوم إلى الوعيد، وإن كان يوم الوعد والوعيد معا على سبيل التخويف.
وقرأ الجمهور : معها وطلحة : بالحاء مثقلة، أدغم العين في الهاء، فانقلبتا حاء كما قالوا : ذهب محم، يريد معهم، سائِقٌ : جاث على السير، وَشَهِيدٌ : يشهد عليه. قال عثمان بن عفان، ومجاهد وغيره : ملكان موكلان بكل إنسان، أحدهما يسوقه، والآخر من حفظه يشهد عليه. وقال أبو هريرة : السائق ملك، والشهيد النبي. وقيل :
الشهيد : الكتاب الذي يلقاه منشورا، والظاهر أن قوله : سائِقٌ وَشَهِيدٌ اسما جنس، فالسائق : ملائكة موكلون بذلك، والشهيد : الحفظة وكل من يشهد. وقال ابن عباس، والضحاك : السائق ملك، والشهيد : جوارح الإنسان. قال ابن عطية : وهذا يبعد عن ابن عباس، لأن الجوارح إنما تشهد بالمعاصي، وقوله : كل نفس يعم الصالحين، فإنما معناه :
وشهيد بخيره وشره. ويقوى في شهيد اسم الجنس، فشهد بالخير الملائكة والبقاع، ومنه
قوله صلى اللّه عليه وسلم :«لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة».
وقال أبو هريرة : السائق ملك، والشهيد العمل. وقال أبو مسلم : السائق شيطان، وهو قول ضعيف. وقال الزمخشري : ملكان، أحدهما يسوقه إلى المحشر، والآخر يشهد عليه بعمله أو ملك واحد جامع بنى الأمرين، كأنه قيل : ملك يسوقه ويشهد عليه ويحل معها سائق النصب على الحال من كل لتعرفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة، هذا كلام ساقط لا يصدر عن مبتدىء في النحو، لأنه لو نعت كل نفس، لما نعت إلا بالنكرة، فهو نكرة على كل حال، فلا يمكن أن يتعرف كل، وهو مضاف إلى نكرة.
قوله عز وجل : لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ، وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ، أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ، مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ، الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ، قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ، قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ، ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ، لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ.
قرأ الجمهور : لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ، بفتح التاء، والكاف في كنت وغطاءك وبصرك والجحدري : بكسرها على مخاطبة النفس. وقرأ الجمهور : عَنْكَ غِطاءَكَ


الصفحة التالية
Icon