البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٤٠
أوعده به من عذابه. وقيل : في الخلوة حيث لا يراه أحد، فيكون حالا من الفاعل. وقرن بالخشية الرحمن بناء على الخاشي، حيث علم أنه واسع الرحمة، وهو مع ذلك يخشاه.
ادْخُلُوها بِسَلامٍ : أي سالمين من العذاب، أو مسلما عليكم من اللّه وملائكته.
ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ : كقوله : فَادْخُلُوها خالِدِينَ «١» : أي مقدرين الخلود، وهو معادل لقوله في الكفار : ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ. لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها : أي ما تعلقت به مشيئاتهم من أنواع الملاذ والكرامات، كقوله تعالى : وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
«٢». وَلَدَيْنا مَزِيدٌ : زيادة، أو شيء مزيد على ما تشاءون، ونحوه : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ «٣»، وكما جاء
في الحديث :«أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ما اطلعتهم عليه»
، ومزيد مبهم، فقيل : مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها. وقيل : أزواج من حور الجنة. وقيل : تجلى اللّه تعالى لهم حتى يرونه.
قوله عز وجل : وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ، وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ، فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ، وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ، يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ، إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ، يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ، نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ.
أي كثيرا. أَهْلَكْنا : أي قبل قريش. هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً، لكثرة قوتهم وأموالهم. وقرأ الجمهور : فَنَقَّبُوا، بفتح القاف مشددة، والظاهر أن الضمير في نقبوا عائد على كم، أي دخلوا البلاد من أنقابها. والمعنى : طافوا في البلاد. وقيل : نقروا وبحثوا، والتنقيب : التنقير والبحث. قال امرؤ القيس في معنى التطواف :
وقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
وروي : وقد طوفت. وقال الحارث بن خلدة :
نقبوا في البلاد من حذر المو ت وجالوا في الأرض كل مجال

(١) سورة الزمر : ٣٩/ ٧٣.
(٢) سورة فصلت : ٤١/ ٣١.
(٣) سورة السجدة : ٣٢/ ١٧.


الصفحة التالية
Icon