مفاتيح الغيب، ج ١٩، ص : ١٠٣
عليه السلام ثبت حصولها في حق محمد صلّى اللّه عليه وسلم لوجوه : الأول : أنه لا قائل بالفرق. والثاني : وهو أن هذا المنصب أعلى المناصب فلو حصل لإبراهيم عليه السلام مع أنه غير حاصل لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم لكان ذلك نقصانا في حق محمد عليه السلام. والثالث : أن محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم مأمور بالاقتداء بإبراهيم عليه السلام لقوله تعالى : أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام : ٩٠] وقوله : ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً فهذا وجه قريب في إثبات الشفاعة لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم وفي إسقاط العقاب عن أصحاب الكبائر. واللّه أعلم.
إذا عرفت هذا فلنذكر أقوال المفسرين : قال السدي معناه : ومن عصاني ثم تاب، وقيل : إن هذا الدعاء إنما كان قبل أن يعلم أن اللّه تعالى لا يغفر الشرك، وقيل من عصاني بإقامته على الكفر فإنك غفور رحيم، يعني أنك قادر على أن تغفر له وترحمه بأن تنقله عن الكفر إلى الإسلام، وقيل المراد من هذه المغفرة أن لا يعاجلهم بالعقاب بل يمهلهم حتى يتوبوا أو يكون المراد أن لا تعجل اخترامهم فتفوتهم التوبة. واعلم أن هذه الوجوه ضعيفة.
أما الأول : وهو حمل هذه الشفاعة على المعصية بشرط التوبة فقد أبطلناه.
وأما الثاني : وهو قوله إن هذه الشفاعة إنما كانت قبل أن يعلم أن اللّه لا يغفر الشرك فنقول : هذا أيضا بعيد، لأنا بينا أن مقدمة هذه الآية تدل على أنه لا يجوز أن يكون مراد إبراهيم عليه السلام من هذا الدعاء هو الشفاعة في إسقاط عقاب الكفر.
وأما الثالث : وهو قوله المراد من كونه غفورا رحيما أن ينقله من الكفر إلى الإيمان فهو أيضا بعيد، لأن المغفرة والرحمة مشعرة بإسقاط العقاب ولا إشعار فيهما بالنقل من صفة الكفر إلى صفة الإيمان واللّه أعلم.
وأما الرابع : وهو أن تحمل المغفرة والرحمة على تعجيل العقاب أو ترك تعجيل الإماتة فنقول هذا باطل، لأن كفار زماننا هذا أكثر منهم ولم يعاجلهم اللّه تعالى بالعقاب ولا بالموت مع أن أهل الإسلام متفقون على أنهم ليسوا مغفورين ولا مرحومين فبطل تفسير المغفرة والرحمة على ترك تعجيل العقاب بهذا الوجه وظهر بما ذكرنا صحة ما قررناه من الدليل واللّه أعلم.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٣٧ إلى ٤١]
رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١)
اعلم أنه سبحانه وتعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام في هذا الموضع أنه طلب في دعائه أمورا سبعة.
المطلوب الأول : طلب من اللّه نعمة الأمان وهو قوله : رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً [البقرة : ١٢٦] والابتداء بطلب نعمة الأمن في هذا الدعاء يدل على أنه أعظم أنواع النعم والخيرات وأنه لا يتم شيء من مصالح