مفاتيح الغيب، ج ١٩، ص : ٩٥
المسألة الثانية : قرأ ابن كثير وأبو عمرو ليضلوا بفتح الياء من ضل يضل والباقون بضم الياء من أضل غيره يضل.
المسألة الثالثة : اللام في قوله : لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ لام العاقبة لأن عبادة الأوثان سبب يؤدي إلى الضلال ويحتمل أن تكون لام كي، أي الذين اتخذوا الوثن كي يضلوا غيرهم هذا إذا قرئ / بالضم فإنه يحتمل الوجهين، وإذا قرئ بالنصب فلا يحتمل إلا لام العاقبة لأنهم لم يريدوا ضلال أنفسهم. وتحقيق القول في لام العاقبة أن المقصود من الشيء لا يحصل إلا في آخر المراتب كما قيل أول الفكر آخر العمل. وكل ما حصل في العاقبة كان شبيها بالأمر المقصود في هذا المعنى، والمشابهة أحد الأمور المصححة لحسن المجاز، فلهذا السبب حسن ذكر اللام في العاقبة، ولما حكى اللّه تعالى عنهم هذه الأنواع الثلاثة من الأعمال القبيحة قال : قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ والمراد أن حال الكافر في الدنيا كيف كانت، فإنها بالنسبة إلى ما سيصل إليه من العقاب في الآخرة تمتع ونعيم، فلهذا المعنى قال : قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ وأيضا إن هذا الخطاب مع الذين حكى اللّه عنهم أنهم بدلوا نعمة اللّه كفرا، فأولئك كانوا في الدنيا في نعم كثيرة فلا جرم حسن قوله تعالى : قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ وهذا الأمر يسمى أمر التهديد ونظيره قوله تعالى : اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ [فصلت : ٤٠] وكقوله : قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ [الزمر : ٨].
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٣١]
قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١)
اعلم أنه تعالى لما أمر الكافرين على سبيل التهديد والوعيد بالتمتع بنعيم الدنيا، أمر المؤمنين في هذه الآية بترك التمتع بالدنيا والمبالغة في المجاهدة بالنفس والمال، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي لعبادي بسكون الياء، والباقون : بفتح الياء لالتقاء الساكنين فحرك إلى النصب.
المسألة الثانية : في قوله : يُقِيمُوا وجهان : الأول : يجوز أن يكون جوابا لأمر محذوف هو المقول تقديره : قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا يقيموا الصلاة وينفقوا. الثاني : يجوز أن يكون هو أمرا مقولا محذوفا منه لام الأمر، أي ليقيموا كقولك : قل لزيد ليضرب عمرا وإنما جاز حذف اللام، لأن قوله :
قُلْ عوض منه ولو قيل ابتداء يقيموا الصلاة لم يجز.
المسألة الثالثة : أن الإنسان بعد الفراغ من الإيمان لا قدرة له على التصرف في شيء إلا في نفسه أو في ماله. أما النفس فيجب شغلها بخدمة المعبود في الصلاة وأما المال فيجب / صرفه إلى البذل في طاعة اللّه تعالى. فهذه الثلاثة هي الطاعات المعتبرة، وهي الإيمان والصلاة والزكاة وتمام ما يجب أن يقال في هذه الأمور الثلاثة ذكرناه في قوله تعالى : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة : ٣].
المسألة الرابعة : قالت المعتزلة : الآية تدل على أن الرزق لا يكون حراما، لأن الآية دلت على أن الانفاق