مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٨٦
اعلم أن موسى وذلك العالم لما تشارطا على الشرط المذكور وسارا فانتهيا إلى موضع احتاجا فيه إلى ركوب السفينة فركباها وأقدم ذلك العالم على خرق السفينة، وأقول لعله أقدم على خرق جدار السفينة لتصير السفينة بسبب ذلك الخرق معيبة ظاهرة العيب فلا يتسارع الغرق إلى أهلها فعند ذلك قال موسى له : أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها وفيه بحثان :
البحث الأول : قرأ حمزة والكسائي : ليغرق أهلها بفتح الياء على إسناد الغرق إلى الأهل والباقون لتغرق أهلها على الخطاب، والتقدير لتغرق أنت أهل هذه السفينة.
البحث الثاني : أن موسى عليه السلام لما شاهد ذلك الأمر المنكر بحسب الظاهر نسي الشرط المتقدم فلهذا المعنى قال ما قال، واحتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية من وجهين. الأول : أنه ثبت بالدليل أن ذلك العالم كان من الأنبياء، ثم قال موسى عليه السلام : أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها فإن صدق موسى في هذا القول دل ذلك على صدور الذنب العظيم عن ذلك النبي، وإن كذب دل على صدور الكذب عن موسى عليه السلام. الثاني : أنه التزم أن لا يعترض على ذلك العالم. وجرت العهود المؤكدة لذلك، ثم إنه خالف تلك العهود وذلك ذنب. والجواب عن الأول : أنه لما شاهد موسى عليه السلام منه الأمر الخارج عن العادة قال هذا الكلام، لا لأجل أنه اعتقد فيه أنه فعل قبيحا، بل لأنه أحب أن يقف على وجهه وسببه، وقد يقال في الشيء العجيب الذي لا يعرف سببه إنه أمر يقال أمر الأمر إذا عظم وقال الشاعر :
داهية دهياء وعلى الثاني : أنه فعل بناء على النسيان، ثم إنه تعالى حكى عن ذلك العالم أنه لما خالف الشرط لم يزد على أن قال : أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً فعند هذا اعتذر موسى عليه السلام بقوله : لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ أراد أنه نسي وصيته ولا مؤاخذة على الناسي بشيء : وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً يقال : رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه أي ولا تغشني من أمري عسرا، وهو اتباعه إياه يعني ولا تعسر على متابعتك ويسرها علي بالإغضاء وترك المناقشة، وقرئ : عُسْراً بضمتين.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٧٤ إلى ٧٦]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦)
اعلم أن لفظ الغلام قد يتناول الشاب البالغ بدليل أنه يقال رأى الشيخ خير من مشهد الغلام جعل الشيخ نقيضا للغلام وذلك يدل على أن الغلام هو الشاب وأصله من الاغتلام وهو شدة الشبق وذلك إنما يكون في الشباب، وأما تناول هذا اللفظ للصبي الصغير فظاهر، وليس في القرآن كيف لقياه هل كان يلعب مع جمع من الغلمان الصبيان أو كان منفردا؟ وهل كان مسلما أو كان كافرا؟ وهل كان منعزلا؟ وهل كان بالغا أو كان صغيرا؟
وكان اسم الغلام بالصغير أليق وإن احتمل الكبير إلا أن قوله : بِغَيْرِ نَفْسٍ أليق بالبالغ منه بالصبي لأن الصبي لا يقتل وإن قتل، وأيضا فهل قتله بأن حز رأسه أو بأن ضرب رأسه بالجدار أو بطريق آخر فليس في لفظ القرآن


الصفحة التالية
Icon